ضمن برنامج «مع هيكل» على قناة «الجزيرة»، أجرت الزميلة جمانة نمّور سلسلة مقابلات خاصّة مع الكاتب والمحلّل السياسي المصري محمد حسنين هيكل حول الحرب الأخيرة بين إسرائيل ولبنان. هنا مقتطفات من أهمّ ما كشفه هيكل خلال الحلقة الأولى.رأى الكاتب محمد حسنين هيكل أنّ الحرب الأخيرة كانت فضيحةبالنسبة لإسرائيل التي تعهّدت للولايات المتحدة الأميركية بإنجاز
عمل سهل. وكشف أنّ ما جرى خطّط له الأميركيون منذ بداية شهر آذار الماضي بهدف تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، تمهيداً لحرب على إيران. وانتقد هيكل الموقف العربيّ الرسميّ الذي لم يخفِ دعوته إلى عدم مناصرة «حزب الله». ووصف اجتماع وزراء الخارجية العرب في بيروت بـ«المهانة».
«إنّنا على أبواب الحرب الحقيقية»، قال هيكل، وما حصل «كان معركة مهمة جداً.<--break--> إذ تشير متابعة الصحف الإسرائيلية إلى أن إسرائيل هزمت... فقد أثبت مسار الحرب فارقاً كبيراً بين ما حصل وما كان متوقعاً». وأكّد أن حزب الله خرج من المعركة أكثر هيبة وكبرياء وشجاعة وقوة، مقابل فضيحة إسرائيلية رغم الاستعداد الإسرائيلي والجهوزية العالية. ورأى «أنّ لدى حزب الله الآن موقفاً أخلاقياً شجاعاً وعملياً أكثر مما لدى إسرائيل».
وقال هيكل إن مشكلة إسرائيل أنها اعتادت على الانتصارات السريعة التي أعطتها ثقة متزايدة بالنفس، وهي دخلت الحرب معتقدة أنها عمل سهل، وهذا ما تعهدت به للولايات المتحدة، وسبّب لها حرجاً كبيراً.
وكشف هيكل عن تفاصيل الخطة المرسومة والمدبرة للمنطقة منذ بداية شهر آذار، فقال: «كان أمامنا، بعد التغيير الذي حصل منذ بداية هذا العام ــ سواء في أزمة الأنظمة العربية الصديقة لأميركا أو في موت عملية السلام أو في الترتيب للحرب مع إيران ــ دعوة من الإدارة الأميركية ممثلة بالوزيرة رايس إلى تصور مبادرات جديدة بعد الانتخابات الفلسطينية والإسرائيلية. وهنا بدأت العملية أو المؤامرة، بحسب اعتقادي. وحصل انتقال في أميركا من سياسة يمثّلها رامسفيلد إلى فرصة سياسية أخيرة يمثلها بوش ورايس. هدفت رايس إلى تصفية نهائية للقضية الفلسطينية قبل التقدم إلى المعركة الكبرى مع إيران... إذ لم يبقَ في المنطقة من مقاومة لأميركا سوى دولتين هما سوريا وإيران، ومنظمتين هما «حماس» و«حزب الله»... لكنّ كلّ الأطراف حاولت تجنّب المواجهة، عدا إسرائيل التي كانت تدفع الأمور باتّجاه الحرب».
وأكد هيكل أنّ قراراً اتُّخذ في آذار لإنهاء «حماس» و«حزب الله». فهذا الأخير يعطّل بامتداده ومقاومته المشروع الغربيّ المتوافق مع مشروع 14 آذار. وقال إن «لبنان في واقع الأمر كان جائزة كبرى. أُخرجت سوريا منه بطريقة مهينة، وساد اعتقاد بأن الموقف اللبناني مفتوح كي يصنع الأميركيون ما يريدونه. لكن حزب الله كان يعطل الاستيلاء الأميركي الكامل على لبنان. وكان المطلوب أميركياً ضربه، وتعهّد الإسرائيليون القيام بذلك. اطّلع الأميركيون على الخطط الإسرائيلية وعدّلوا فيها، وقدّموا الأسلحة الخاصة التي تضمّن بعضها القدرة على اختراق الخنادق العميقة التي يتحصّن فيها حزب الله». ورأى أن قرار ضرب حزب الله كان مستقلاً عن قرار مواجهة إيران لاحقاً.
وأكد هيكل أن حزب الله لم يكن يعرف بوضوح أن ثمة اتصالات تحضيراً لمؤتمر في مدريد أو في نيويورك في أيلول المقبل لبحث القضية الفلسطينية وتصفيتها نهائياً. وقد فوجئ الحزب، والسيّد حسن نصر الله تحديداً، بعاملين: أولاً، رد الفعل الإسرائيلي وحجم الضربة الإسرائيلية التي فاقت كل التوقعات. وثانياً، حجم التخلّي العربي عن كل شيء.
ورأى هيكل أنّنا أمام نهاية أشياء وبداية أشياء. فحزب الرئيس بوش والذين أيّدوه من الحزب الديموقراطي يعانون في السنتين الأخيرتين من ولايته. وثمة رئيس وزراء جديد في إسرائيل يتحدث بلهجة تشرشل ليثبت نفسه. والفظيع في الموقف العربي أنه بادر إلى إعلان تخليه عن المقاومة اللبنانية منذ اللحظة الأولى للعدوان الإسرائيلي على لبنان. وأشار إلى أنّه كانت هناك حاجة لدولة قائدة أو لزعيم يتخطّى سلطانه حدود بلاده. فقد كان من الضروري أن يتقدم طرف عربي وأن يحاول منع تفاقم هذه الأزمة. أما وقد تفاقمت، فأقل ما كان مطلوباً عدم إعلان العجز، أو الحديث عن سنة وشيعة والطلب إلى الشعب العربي عدم تشجيع المقاومة ومناصرتها. وقال إنه يرى أن مؤتمر وزراء الخارجية العرب في بيروت مهانة، وخصوصاً أنّ الوزراء العرب ذهبوا إلى بيروت بعدما أعلنوا تخليهم عن مناصرة حزب الله، أو عن التدخل في الأزمة بأية طريقة فاعلة. لقد ذهبوا إلى بيروت بتصريح من إسرائيل طلبته الدولة المصرية...