ثائر غندور
لم تحصل مجزرة في البازورية...
خبر سعيد، رغم أن الطائرات الإسرائيلية لم تنسَ هذه البلدة، فقصفت ودمّرت منازل عديدة. أدّى الحظّ دوره في عدم حصول المجزرة. فقد استهدف القصف ما يشبه الملجأ، وطاول صالة «بسما» للأفراح. كانت الحصيلة شهيدين: محمد بسما وفوزي جفّال. اثنان وتسعون شخصاً كانوا في تلك الصالة. استهدفتهم الغارة الإسرائيلية مباشرة، وجرح عدد منهم.
الشهيدان كانا هناك. كانا يحضّران برنامجاً ترفيهياً. لم يُنجز البرنامج، ولا أحد يعرف ما كان يدور في بالهما، وإلى أي مرحلة وصلا من التحضير. رحلا قبل أن يُخبرا أحداً. طال الصاروخ «فتى الملجأ الضاحك» من دون رحمة.
«فتى الملجأ الضاحك»... هكذا كانوا يسمّون الشهيد محمد بسما.
في اليوم الخامس للعدوان، وبتمام الساعة الخامسة والنصف، كان موعد محمد مع الموت. هو الذي لم يستطع الذهاب إلى الجبهة لانهيار والده عند سماع الخبر، «اضطر للبقاء من أجل والده ومن أجلنا جميعاً، رغم أنه كان مقتنعاً بأن مكانه في الجبهة وليس في أي مكان آخر»، يقول خاله محسن جفال. يتحدث عن ابن أخته بفرح، «لأن محمد كان مرحــــاً بشكل دائم. كان يعرف كيف يخلق النكــــتة من المأساة».
عرف محمد أن الحرب ستطول، لذلك أراد خلق مساحة من الفرح في الملجأ. فالأطفال لا يعرفون أن حرباً تدور في الخارج. كلّ ما يعرفونه هو أنّهم يريدون أن يفرحوا. «لكن قتل الفرح هو هدف الإسرائيليين. الدبكة تغيظهم. إنهم لا يريدون أن يكون الجنوب فرحاً. فدولتهم قامت على الدم»، هكذا يرى الخال الأمر.
أما والد محمد، فيرتدي ثيابه السوداء، ويبتسم مقهوراً: «هذه ضريبة المعركة مع المشروع الأميركي ــ الصهيوني». يستقبل المعزّين، وهو الذي تعوّد أن يُنظم الحفلات والأعراس في صالته. يرى أن القصف كان رداً على خطاب السيد حسن نصرالله الثاني. ثمّ يتابع قائلاً: «لم نكن نتوقع أن تكون صالة الأفراح هدفاً للغارات الإسرائيلية». ويتوسع بالحديث عن المشروع الأميركي وضرورة مواجهته، عن العنصرية الصهيونية، وتعطُّش الإسرائيليين للدماء.
ينظر إلى هذه الحرب على أنها محاولة لضرب أي محاولة لقول «لا» للولايات المتحدة الأميركية. فجأة، ينتبه إلى أنه خسر ابنه، يغـــــصّ، ويكمل شرح ما يؤمن به. اســــتشهد الابن، وبقيت روح المـقاومة لدى الوالد.