التجار يتعانقون قائلين: «الحمد لله على السلامة» أو «بعدنا طيبين، الحمد لله»
لنبطية ــ كامل جابر

رغم أنّ العدوان لم يوفر مساحات سوق «اثنين» النبطية المنتشرة على مداها، عادت مئات «البسطات» والخيم، من مختلف المناطق الجنوبية، لتعرض صباح كل اثنين، أو عشيته، مختلف أنواع البضائع والسلع. كما عادت إلى جوارها، دكاكين سوق الخضر والفاكهة، وأيضاً «سوق اللحم»، لتستقطب روّاداً، بعد طول انقطاع.
سمع تجار السوق، ممن أرغمهم العدوان على مغادرتها، أن الحقد الإسرائيلي ضرب المساحات التي يعرضون عليها بضائعهم. فأتوا، أمس، ليشاهدوا بأم العين، كيف عبثت آلة الدمار بأبنية السوق ومحالّها، وتركت بصمات «شريرة» على الأبنية والطرقات، وغيبت مؤسسات كانت قائمة، وتركت بعض أصحاب المحال والدكاكين من دون مصدر رزقأكثر ما يسمع في أرجاء السوق عبارة وحيدة. ثم يختلط العناق بالعناق، والأسئلة بمناخات الاستفسار: من بقي من تجار السوق؟ من قضى شهيداً في قريته، أو على بعض دروب النزوح؟ بيد أن «زعيق» البياعين، يبدّد قلق الاستفسار ليعلن انطلاق السوق، مجدداً، نحو أبواب الارتزاق.
عاد البائع عماد عبد الله (من بنت جبيل)، إلى سوق الاثنين، قبل أن يذهب إلى مسقط رأسه بنت جبيل، للاستفسار عمّا حلّ بها، وبسوقها المنعقدة كل خميس. «سوق مدينتي لن تعود في القريب العاجل، بسبب ما لحق بوسطها من دمار وخراب. لذلك أتيت اليوم إلى سوق الاثنين، بعد غياب دام ستة أسابيع. شيء محزن حلّ بسوق النبطية، لكن السوق ستعود إن شاء الله، بمن صمد ورفع رأسنا ودافع عن الأرض حتى نبقى قادرين على العودة إليها».
ويؤكد عبد الله: «عدنا لنعيش عيشة طبيعية. نعم، سقط الشهداء بفعل العدوان، ودمّرت الأبنية والطرقات، لكننا شعب لا يركن، نقوم في كل مرة من بين الدمار حتى نعيد الحياة إلى قرانا ومدننا. وسوق النبطية التي أصيبت بأضرار بالغة، اقتصادياً وعمرانياً، وفقدت بعض أحبّتها، نجدها قد عادت إلى سابق عهدها، أو ربما أفضل»واتخذ الحاج ذيب رزق من بلدة كفر رمّان، جارة النبطية من ناحيتها الشرقية، موقعه بين بائعي الخضر من أبناء بلدته، الذين يؤلفون حيزاً من سوق النبطية، وتشتهر منتجاتهم بنوعيتها وجودتها ونكهتها. ويبدي الحاج ذيب أسفه «لما حلّ بالمزارعين في كفر رمان، وغيرها من القرى. ضُربت مواسمنا وكسدت في أرضها، لأننا لم نتمكن خلال مدّة 33 يوماً، من الوصول إليها. الحمد لله ظلت صحتنا ولا نريد إلا رحمة الله وأن ينصر دين الحق».
ويتابع جاره محمد بعلبكي: «المزارعون خسروا كل ما زرعوا لموسم الصيف، لذلك لن تجد أهم منتجاتهم في سوق النبطية. إن ما نعرضه اليوم، هو البقية الباقية من الموسم. كفر رمان تعتمد على الملوخية والفلفل والبندورة وبعض المزروعات. كل ذلك يبس على أمه، وتلف، لكن بقيت صحتنا، وهي خير نعمة حتى نواصل حياتنا ونعيد للسوق حياتها».
انصرف محمد غصين (من النبطية الفوقا)، البائع المتجول بين سوق وأخرى في الجنوب، لنصب خيمته التي يعرض بضاعته من الألبسة فيها، ويردّد: «همة الجنوبيين لن تتوقف عند حد. ربما لن يأتي اليوم كل تجار السوق إليها، لكن في الأسبوع المقبل، سيعود كل شيء إلى طبيعته. كانت دماراً في دمار يوم وقف إطلاق النار، وها هي اليوم تبدلت كثيراً، بعد رفع الركام والبدء بعملية التصليح. ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها السوق للعدوان الإسرائيلي، لقد عانت هذه السوق مثلما عانى أبناء النبطية وجوارها من قصف وتدمير، عشرات المرات، وكانت في كل مرة تنهض من بين الدمار وتعود للحياة، معلنة استمرار السوق التي بدأت قبل المماليك، ولن يوقفها العدوان الإسرائيلي، مهما تعاظم جبروته».
في مكان قريب، تجمّع حشد من أبناء السوق يرتشفون قهوتهم الصباحية، على عهدهم في صباح كل اثنين، مطلقين قهقهات تبدّد بعض القلق من تهديدات العدو بمواصلة عدوانه، وتبعث الأمل المستمر في استيقاظ السوق، مجدداً من «كبوة» الدمار.