نقولا ناصيف
اهتم الوفد الدولي الذي ضم موفد الأمين العام للأمم المتحدة المكلف مراقبة تطبيق القرار 1559 تيري رود ــ لارسن والمستشار الخاص للأمين العام فيجار نيميار في اجتماعهما السبت الفائت (19 آب) بالمسؤولين اللبنانيين السياسيين والعسكريين، في السرايا الحكومية، بالاطلاع على خطط الجيش اللبناني للانتشار في جنوب لبنان، والتحقق من قدراته وعدده وعلاقته بالقوة الدولية الموجودة في المنطقة، وتلك التي يُنتظر مجيئها إلى لبنان. وسمع من قائد الجيش العماد ميشال سليمان أن الجيش سيكون المسؤول عن فرض الأمن في الجنوب، وأن مهمة القوة الدولية هي المراقبة ودعم الجيش عندما يطلب المؤازرة. آخذاً بالقرار 1701، أصر رود - لارسن على وجود منطقة خالية من السلاح، فأجيب بأن الجيش سيعمل على تنفيذ القرار من ضمن المهمة التي ينيطها به القرار. وسمع الموفد الدولي شكوكاً لبنانية حيال انسحاب الجيش الإسرائيلي. في اليوم التالي (20 آب)، تبلغ الفريق العسكري اللبناني من الفريق العسكري الإسرائيلي بواسطة قائد القوة الدولية في الجنوب الجنرال آلان بيلليغريني توقّف المرحلة الثالثة من انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى ما بعد وصول القوة الدولية إلى الجنوب. وهي تشمل الانسحاب من قرى ممتدة من القطاع الغربي إلى القطاع الشرقي، على أن تليها مرحلة رابعة وأخيرة هي الانسحاب إلى وراء «الخط الأزرق». وعزا الجانب الإسرائيلي قراره هذا إلى الموقف الفرنسي الذي تريّث في إرسال فرقته إلى لبنان من جهة، ولأن القوة الدولية الحالية غير كافية لملء الفراغ الذي سينشأ عن الانسحاب الإسرائيلي من جهة أخرى. ومنذ الأحد توقّف انتشار الجيش في الجنوب.
حتى هذا الوقت كان الجيش قد أبلغ إلى مراجعيه، مسؤولين لبنانيين وديبلوماسيين أجانب، أهداف انتشاره في الجنوب ضمن المعطيات الآتية:
1 ــ السلاح المطمور في الأرض في منطقة جنوبي نهر الليطاني وحتى «الخط الأزرق» سيكون من الصعب اكتشاف مخابئه، إلا أنه لا يشكل ربما أكثر من 10 في المئة من ترسانة الصواريخ التي يملكها «حزب الله»، في حين أن قدراته الفعلية تكمن في الصواريخ البعيدة المدى (100 كلم) التي يخبئها في شمالي نهر الليطاني، وفي وسعه إطلاقها من مسافات بعيدة عن الحدود اللبنانية ــ الإسرائيلية، سواء في البقاع أو في الهرمل. أضف أن الصواريخ القصيرة المدى يُتاح إطلاقها وبسهولة من مسافة قريبة تقع شمالي نهر الليطاني لا تبعد عن الحدود أكثر من 20 كلم، وفي أحسن الأحوال فإن النبطية (وجوارها) لا تبعد أكثر من 4 كلم عن الحدود، الأمر الذي يقود الى استنتاج أولي هو الحاجة الى إيجاد حل سياسي لترسانة الصواريخ البعيدة المدى المخبأة شمالي نهر الليطاني حتى أقصى البقاع انطلاقاً من قاعدة تحكم مهمة الجيش ــ وينصّ عليها القرار 1701 ــ هي «تسلّمه» سلاح الحزب لا «انتزاعه». الأول يعني الاتفاق على الأمر، والآخر عقاباً وفرضاً. بذلك فإن قرار مجلس الأمن يتبنى الخيار الأول من خلال تحدّثه عن حل سياسي طويل الأمد، أعاد تأكيده قبل يومين الرئيس الأميركي جورج بوش، وكررّه للمسؤولين اللبنانيين السياسيين والعسكريين ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في جنوب لبنان غير بيدرسن عشية جلسة مجلس الوزراء في 16 آب.
وطبقاً لجهات واسعة الاطلاع أبلغ بيدرسون إلى مسؤولين في «حزب الله» تطمينات إلى هذا الجانب من القرار 1701، بتشديده على الحل السياسي الطويل الأمد لمصير سلاحه، وأن لا نزع لهذا السلاح في المرحلة الأولى من تطبيق القرار. في المقابل إن المنطقة الخالية من السلاح ينبغي ألا تكون فيها مظاهر مسلحة من أي جهة أتت.
2 ــ إن انتشار الجيش جنوبي نهر الليطاني يعطّل تماماً استخدام «حزب الله» صواريخه التي يخبئها تحت الأرض، وهو بذلك يجعلها عديمة الجدوى في ظل انتشار 15000 عسكري لبناني، إلى عدد مماثل من الجنود الدوليين، وقد تكون برسم أن تصدأ في ما بعد. على أن المشكلة لا تكمن في الصواريخ الصغيرة هذه، بل في تلك ذات المدى البعيد. في مقابل ذلك أبرز الجيش للسلطة التنفيذية حاجته إلى سلاح دفاعي، أكدها في أكثر من جلسة لمجلس الوزراء قائده، وكرّر الكلام نفسه أمام رود ــ لارسن في اجتماع السرايا الحكومية، بأن اعتبر أن الجيش لا يبنى على عقيدة فرض الأمن الداخلي أو أن يكون أشبه ببوليس بلدية، بل على عقيدة دفاعية. وفي بضعة اجتماعات جمعت سليمان بموفدين دوليين وديبلوماسيين أجانب، كان هؤلاء يكتفون بالإصغاء دونما ردّ فعل حين يستفسرون عن حاجة الجيش إلى السلاح والعتاد.
3 ــ أبلغ الجيش إلى القوة الدولية أن انتشاره في الجنوب سيكون كاملاً، وأن الـ15000 عسكري لن «يكدّسوا كجبنة» جنوبي نهر الليطاني الذي لا يتسع بطبيعة الحال، لأسباب وقواعد عسكرية، لمثل هذا العدد. تالياً فإن خطة الانتشار على نحو ما ورد في قرار مجلس الوزراء في 16 آب وفي القرار 1701 (الفقرة التمهيدية 8) تشير إلى انتشار جنوبي نهر الليطاني وشماليّه انطلاقاً من الدامور بحيث توزّع القوى بين أفواج رئيسية، وأخرى خلفية للدعم في النبطية، وثالثة للاحتياط وراء هذه في الدامور. على أن القوة الدولية المنتظر وصولها إلى لبنان ستشكل حزاماً أمنياً بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي عند «الخط الأزرق»، وكذلك عند الخط اللبناني ــ السوري القديم غير المتنازع عليه في مزارع شبعا. ومآل ذلك، من غير أن ينطوي على ضمانات علنية متبادلة بين الجيش و«حزب الله»: لا هجمات ولا أعمال عسكرية ولا إطلاق صواريخ إلى ما وراء «الخط الأزرق» وفي مزارع شبعا، في إشارة إلى أن المنطقة الواقعة جنوبي نهر الليطاني خرجت تماماً من السيطرة العسكرية للحزب، وكذلك من بعدها السياسي في النزاع اللبناني ــ الإسرائيلي الذي جعل المزارع باستمرار ربط نزاع دائم لبناني ــ إسرائيلي وسوري ــ إسرائيلي.
والواقع أن مَن قدّم الضمانات بجعل جنوبي نهر الليطاني من «الخط الأزرق» حتى مزارع شبعا منطقة خالية من السلاح، وأخرج الدور العسكري للحزب منها، هو الرئيس نبيه بري باسم «حزب الله». وأكد موقفه هذا للمرة الأولى للحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة، وللمرة الثانية عند اجتماعه برود ــ لارسن السبت الفائت (19 آب) عندما حضّه الأخير على السعي لدى «حزب الله» لئلا يخرق الهدنة بالردّ على الإنزال الذي كان قد نفّذه ليلذاك الجيش الإسرائيلي في بعلبك. وفي حضور الموفدين الدوليين أجرى رئيس المجلس مكالمة هاتفية بقيادة الحزب وحصل منها على التزام إضافي بوقف الأعمال العدائية التي نصّ عليها القرار 1701.