نزار صاغية *
العدد 40 للجريدة الرسميّة في هذه السنة أتى مقتضباً كما غالب أعدادها منذ بدء الحرب، بحيث لا تتجاوز صفحاته المخصّصة للأعمال القانونية الستّ. وأهم ما فيه المرسوم الصادر أخيراً في 14-8-2006 والآيل الى اعفاء الهبات بقصد الاغاثة ومساعدة المنكوبين من جراء العدوان الاسرائيليّ من الرسوم والضّرائب. وقد وضع هذا المرسوم حداً للفراغ القانوني السائد في هذا المجال: فإدخال هبات الإغاثة الى لبنان خلال الحرب بواسطة هيئات أو جمعيات دون تسديد أيّ رسم تمّ على مسؤولية الجهة الموهوب لها والمرجع الرسمي الضامن لها، بموجب تعميم صادر عن وزارة الماليّة بتاريخ 20-7-2006، دون اي حق مكتسب بالاستفادة من الاعفاء. وأهم ما جاء في هذا المرسوم الأحكام الآتية:
1ــ أنه نظّم اعفاء الهبات من الرسوم وفقاً لآليّتين مختلفتين وفقاً لهوية الموهوب لهم. والآلية الأولى ــ التي تشمل الهبات الممنوحة للادارات والمؤسّسات العامّة (المرتبطة بالدولة) وأيضا للبلديّات أو اتّحادات البلديّات فضلاً عن وكالات الأمم المتّحدة والصّليب الأحمر الدولي تحت رقابة الهيئة العليا للاغاثةــ هي استعادة لنصوص سابقة لا تزال سارية المفعول منذ السبعينيات. أما الآلية الثانية ــ وهي غير مألوفة في القوانين السابقة ــ فقد وسّعت اطار الاعفاء ليشمل الجمعيات الأهلية والهيئات الدينية والمنظمات وسائر المؤسسات الدولية تحت رقابة وزارة الشؤون الاجتماعية، وبشرط أن تتوافر فيها معايير معينة يحدّدها قرار لاحق لمجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزارة المذكورة!! والى ذلك، حدد المرسوم، في تنظيم الآليتين، المهام الرقابية لكلا المرجعين (أي الهيئة العليا للاغاثة ووزارة الشؤون الاجتماعية) حصراً بالتحقق من أن الهبة هي مخصصة حصراً لعمليات الاغاثة وبالتثبّت لاحقاً من حسن استعمالها أو توزيعها مجّاناً. كما أخضع هبات الأدوية والمعدات الطبية لمصادقة وزير الصحة العامة، مع المحافظة على صلاحيات مديريتي الجمارك وحماية المستهلك في مراقبة تنفيذ هذا المرسوم بحدود اختصاصهما.
ولعلّ أولى نتائج هذا المرسوم هي محدوديّة دور الهيئة العليا للاغاثة، ليس فقط بسبب اشراك وزارة الشؤون الاجتماعية في أعمال الرقابة، بل أيضاً لأن مهامها حُصرت بأعمال رقابيّة محض من دون أي دور في تحديد احتياجات الاغاثة أو أولوياتها أو حتى في التّنسيق بين الادارات المعنية، على نحو يجافي تماماً المكانة المركزية التي أريدت لها عند انشائها (سنة 1976)، سواء في تلقي الهبات أو في توزيعها بواسطة ما لها من صلاحيات بالاستعانة بمختلف الوزارات.
وفضلاً عن أن هذا الأمر يعطّل الى حد كبير الصلاحيات المنوطة بمؤسسة اساسية (مؤسسة الأزمات بامتياز)، فإن غياب الآليات والمعايير يفتح من دون ريب باباً واسعاً للهدر والتّمييز بمعزل عن الاحتياجات الحقيقية. ومن الطبيعي في ظل الواقع اللبناني، أن تنتقل العدوى الى الجهات المانحة بحيث تتأثر بتحالفاتها أو مصالحها السياسية. والأمر نفسه يصح بشأن الهبات الممنوحة للبلديّات واتحادات البلديّات ما دام المرسوم لم يضع أي معيار موضوعيّ للتمييز لمصلحة البلديات الواقعة في المناطق المنكوبة.
ولعلّ هذه الملاحظات تبلغ مداها في ظل مفاعيل العدوان الذي طال بشكل خاصّ منطقة معيّنة على نحو يسبّب أصلاً تجاذباً كبيراً ما بين منطق الإغاثة على اساس الحاجات المشروعة ومنطق المحاصصة.
2ــ ومن جانب آخر، حدد المرسوم مدة سريانه ابتداء من تاريخ صدوره أي في 14- 8- 2006 حتى تاريخ 31- 10- 2006، فيما أعلن في محل آخر اجراء تسوية لاحقة بشأن المساعدات التي تمّ ادخالها قبل صدوره وفقاً لما جاء اعلاه. والواقع أن هذا الأمر يكشف عيبين: الأول التأخر في اصدار هذا المرسوم، والثاني التأخر في تسوية الأوضاع الحاصلة خلال الحرب، بما يبقي الهيئات التي أدخلت على مسؤوليتها مواد اغاثة مشغولة الذمم. وما يزيد الأمر تعقيداً أن ارجاء تحديد الشروط الواجب توافرها لدى الهيئات الخاصة للاستفادة من الإعفاء يبقي الهيئات العاملة في مجال الاغاثة في وضعيّتها السابقة خلال الحرب من دون أي حق مكتسب للاستفادة من الإعفاء. وأكثر ما يخشى في هذا الصدد هو أن تترتّب بالنتيجة أوضاع هذه الهيئات سواء قبل صدور هذا المرسوم أو بعده على نحو استنسابيّ.
3ــ ومن جهة ثالثة، وإلى جانب الهبات ذات الطابع الإنساني (ألبسة، فرش، مواد غذائية...) والآيلة الى تلبية الاحتياجات المعيشية الأساسية التي توزع مجاناً على المنكوبين، شمل المرسوم نوعاً ثانياً من الهبات وهي التي تستخدم للإغاثة من دون توزيعها على المنكوبين كما هو حال مولّدات الكهرباء والسيارات والآليات والبيوت المسبقة الصنع ومعدات تنقيّة المياه وتخزينها والمعدات الأساسية اللازمة لإعادة الإعمار. وميزة هذا النوع من الهبات أنه قد يبقى ملكاً للجهة التي أدخلته الى لبنان حتى ما بعد انتهاء أعمال الإغاثة، وهو ما يطرح اشكالية أساسية بشأن مآلها في ما بعد. فبقاؤها في لبنان في ما بعد من دون تسديد اي رسم، يحقق لبعض المشاركين في الإغاثة وفراً طائلاً ــ قد يزيد على قيمة اعمال الاغاثة التي قاموا بها ــ على حساب الخزينة! ولكان مؤكداً من الأفضل لو قبل المرسوم بادخال المعدات المذكورة مؤقتاً لغايات الاغاثة على أن يسوى وضعها بتسديد رسوم جمركية في حال ابقائها في لبنان في ما بعد لغايات أخرى.
هذا ما أمكن قوله بشأن هذا المرسوم، مع الاشارة الى أنه اكتفى بالتذكير بجواز الملاحقة أو المعاقبة ضد أي فعل من شأنه التحايل على أحكامه، من دون ادخال أي عقوبات أو اجراءات قد تكون أكثر تناسباً. ويبقى من المؤسف عند قراءة مراسيم مماثلة تعوّل على المساعدات الخارجية بهدف الانقاذ أن نسجل غياب أي أعمال تنظيمية تحفيزاً لأي شكل من اشكال التضامن الداخلي. وفي هذا الاطار تحديداً، نسجّل أن القرار الصادر عن وزير العمل بشأن منع صرف الأجراء المتغيبين أثناء الحرب لم ينشر في الجريدة الرسميّة بعد.

* محام لبناني