الأدوية والأغذية وُزّعت على المحاسيب ووفق التحالفات... وتجاوزات إدارية بالجملة
وزارة الشؤون غابت إبّان العدوان والوزيرة شَغَلتها السياسة أي دور لعبته وزارة الشؤون الاجتماعية إبّان العدوان الإسرائيلي على لبنان، باستثناء الاجتماعات المطولة والتصريحات السياسية للوزيرة نائلة معوض؟ التقرير الآتي يحاول الإجابة

غسان سعود

كشف أحد كبار موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية أن الوزيرة نائلة معوض عملت على تحييد الوزارة عن عمل الهيئة العليا للإغاثة، وأبعدت حوالى 1500 موظف وأكثر من 200 مركز كان يُمكن أن يشاركوا في عمليات إغاثة النازحين، لكنهم حيّدوا خلافًا لمرسوم إنشاء الهيئة. وكلفت الوزيرة مستشارها الخاص فادي برق، خلافاً للأنظمة النافذة، بمسؤوليات فريق عمل الوزارة، ولم يقدم المستشار المذكور إلا البيانات الإعلامية. فيما لم تقدم الوزارة أي إمكانات للمراكز تزيد عن تلك التي اعتادت تقديمها. وكلفت الوزيرة، خلافاً للأنظمة المرعية، رئيس دائرة أمانة السر بمهمات رئيس دائرة المديرية العامة. وألغت دور المدير العام وكل الوحدات الإدارية الموجودة في الوزارة تحت عنوان «حالة طوارئ»، وكان يقتضي حسب الموظف أن تثير حال الطوارئ مزيداً من الجهد الوظيفي وليس الإلغاء. كما استغنت الوزيرة عن كل موظفي الوزارة الذين كانوا خارج إطار العمل الوظيفي لمصلحة سبعة مستشارين خاصين فقط.
ويؤكد الموظف امتلاكه إثباتات عن إرسال الوزارة أدوية الى النائب وائل أبو فاعور لتوزيعها وفق المحسوبيات. كما وزعت مشاريع إنمائية تتخطى قيمتها مليار ليرة على المناطق اللبنانية وفقاً لتحالفات معوض السياسية، فيما كان يُفترض أن توزع على قاعدة الإنماء المتوازن. فصرف، مثلاً، لمناطق الجنوب والنبطية التي كانت تتعرض لتدمير شامل 200 مليون ليرة لبنانية (بينها 60 مليوناً لقرى شيعية) في حين حظي قضاء زغرتا بما يراوح بين 400 و500 مليون ليرة. واتخذت قرارات الصرف في 26 تموز و1 آب، أي في عز العدوان. ولم تبادر الوزيرة، حتى الساعة، إلى التفكير في استحداث مراكز بديلة عن التي استهدفت في الجنوب.
وتطول لائحة الانتقادات لأداء وزارة الشؤون الاجتماعية خلال شهر الحرب. عند المتطوعين الذين لم يتركوا الأرض طوال الشهر الماضي. من غياب خطة عمل لحالات الطوارئ، وانعدام التجهيزات المطلوبة. مروراً بالتلكؤ في العمل وغياب الموظفين وعدم إنتاجية الاجتماعات المكثفة والطويلة التي فاق عددها الـ15. وصولاً إلى شبه غياب للوزارة عن العمل الميداني، وانشغال الوزيرة معوض بالتصريحات السياسية.
وكان يُفترض، بحسب الدكتور وليد فخر الدين، عضو المكتب التنفيذي في حركة اليسار الديموقراطي المتحالفة مع الوزيرة معوض ضمن قوى 14 آذار، والمسؤول في الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات، أن تشكل وزارة الشؤون الاجتماعية حلقة وصل بين الهيئة العليا للإغاثة وجمعيات المجتمع المدني. لكن الوزارة انشغلت بعقد اجتماعات طويلة ومملة من دون تقديم أي شيء عملي. وقبل أربعة أيام من توقف العدوان أصدرت استمارة من أربع صفحات، تتطلب تعبئتها ساعة على الأقل. ووزعت على مندوبي الوزارة وهيئة الإغاثة بعدما غادر النازحون المدارس. وكان على الوزارة، بحسب فخر الدين، أن تنشئ غرفة طوارئ تنسيقية منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان.
وفي السياق نفسه، أكدت إحدى المسؤولات عن التفاعل النفسي والترفيه عن الأولاد في حركة «صامدون»، انشغال الوزارة باجتماعات مملة عنوانها رسم خطط للدعم النفسي والاجتماعي. وإضاعة الوقت بقراءة الكتب، في حين كان يفترض بهم النزول على الأرض، والتفاعل مع التجربةإلا أن وزارة الشؤون بحسب أنطوان زخيا أحد مستشاري الوزيرة معوض. تُحَمَّل أكثر مما تستحق. وخصوصاً أنها حلت مكان مصلحة الإنعاش الاجتماعي باستثناء الشؤون الإغاثية. بعدما أنشئت «الهيئة العليا للإغاثة» التي ارتبطت مباشرة برئاسة مجلس الوزراء. وفي العدوان الأخير، حصر مجلس الوزراء كل الشؤون الإغاثية بهذه الهيئة لتفادي تعددية المراجع. فسعت وزارة الشؤون إلى إيجاد نفسها على الخريطة الخدمية عبر التنسيق مع الهيئة العليا للإغاثة التي تكفلت وحدها بشراء المواد الأولية والغذائية والأدوية. وقامت الوزارة بتغذية الهيئة العليا بالمعلومات التي توافرت لديها عبر مندوبيها. واستمرت مراكز الوزارة في العمل، حيث هناك أطباء متعاقدون، في معاينة المرضى وتقديم الأدوية. ونفّذ المجلس الأعلى للطفولة أوسع عملية رعاية للأطفال في مراكز النزوح والمنازل.
لكن هذه جميعها حسب غالبية المتطوعين مجرد شعارات، إذ لم يكن هناك وجود لوزارة الشؤون، إنما سعت، بحسب أحد القيمين على أبرز تيارات المجتمع المدني، إلى خطف إنجازات المجتمع المدني بعدما حاولت إعاقة عمله تحت عنوان الاجتماعات التنظيمية.
لكن فادي برق، مساعد وزيرة الشؤون الإجتماعية والمدير التنفيذي في مؤسسة رينيه معوض، يرى أن ثمة كثيراً من الافتراءات بحق الوزارة التي دعت الجمعيات للاجتماع والوصول إلى حد أدنى من التنسيق وصياغة تصور مشترك. وأكد برق أن الوزارة لم تدفع ليرة واحدة من خارج الموازنة المحددة مسبقاً للتوزيع على المراكز وشراء الأدوية الــــتي اعـــــتادت شــراءها.
ولفت زخيا وبرق إلى الجهد الكبير الذي تكبدته الوزارة في تأمين إعطاء الموافقات للجمارك لإدخال المساعدات الواردة للجمعيات. وهي أمور حسب أنطوان مخيبر، أمين سر التيار الوطني الحر، تدخل ضمن واجب الوزارة، ولا تجوز الإشادة بالقيام بها. وأكد عدم حصول أي تعاون أو تنسيق من قبل تياره مع وزارات الدولة ومؤسساتها باستثناء وزارتي التربية والصحة. ولفت إلى استثناء التيار من اجتماعات وزارة الشؤون رغم الدور الإنساني والإغاثي الكبير الذي لعبه.
وقال إن ثمة معلومات تفيد بأن مجمع «البيال» يحوي مواد غذائية تطعم اللبنانيين ستة شهور. لكنها محتجزة أو توزع سرياً على المحاسيب في المناطق. وفي السياق الانتقادي نفسه، دعا النائب نبيل نقولا عضو تكتل التغيير والإصلاح إلى قيام المجلس النيابي بمحاسبة المتقاعسين عن القيام بواجباتهم خلال فترة الحرب. وأكد أن ما جرى لا يمكن ولا يجوز السكوت عنه.