البقاع ــ عفيف دياب
تجد صعوبة كبيرة حين تطلب من احد البقاعيين تعداد اسماء نواب المنطقة. وحين يفعل، تمر بينها اسماء نواب سابقين. تلفت انتباهه الى أن «فلاناً» بات نائباً سابقاً، فيسألك فوراً «عن جدّ؟»!
تغيّر كثيراً مشهد البقاع السياسي بعد الانتخابات النيابية الصيف الماضي. ماتت احزاب، وغابت وجوه اعتاد البقاعي طوال أكثر من عقد حراكها السياسي وظهورها الإعلامي الدائم. ولم يستطع النواب الجدد «طبع» صورهم في «ذاكرة» البقاعي.
«ظرف اليوم يختلف عن الظروف الماضية التي كانت تساعد النواب في حركتهم السياسية» يقول احد نواب دائرة زحلة، فيما يرى احد نواب البقاع الغربي أن «نواب الحقبة الماضية كانوا يعملون منفردين، أما نحن فننتمي الى كتل وتيارات تعمل على صعيد الوطن لا لحسابات شخصية».
التناقض في قراءة الامور لا يبرّر «عجز» الماضي والحاضر عن «صناعة» حياة سياسية ترفع من شأن البقاع في كل المجالات. فنواب زحلة الحاليون لم يستطيعوا ان ؤلّفوا قوة سياسية محلية تؤدّي دورها في «صناعة» السياسة العامة للبلاد. انضووا جميعهم في «كتلة» التحقت بتيار سياسي كبير يتزعمه العماد ميشال عون. لم تستطع هذه الكتلة النيابية، الاولى من نوعها في البقاع منذ اول انتخابات نيابية لبنانية بعد الحرب الاهلية، إحداث التغيير المطلوب في منطقتها الانتخابية ــ بالحدّ الأدنى ــ ولم تستطع الانفتاح على تيارات شعبية ــ سياسية مستقلّة في المنطقة، فبقيت اسيرة تفاصيل «الانتخابات» الماضية وما أعطته من نتائج انقسامية. فالتيار الوطني الحر، العمود الفقري للكتلة (سياسياً وشعبياً)، لم يستطع بعد الانفتاح على توجهات سياسية وشعبية من خارج نسيجه الاجتماعي، أو الخروج من «نفق» الانتخابات وما احدثته من انقسامات تستغلّها قوى سياسية ــ نيابية سابقة وجدت في الغياب السياسي لقوى حديثة العهد باباً لـ«التنمير» السياسي.
الحال نفسها تنطبق أيضاً على نواب وقوى سياسية «حديثة» العهد في البقاع الغربي وراشيا، لا يمكن مقارنة حضورهم السياسي بحضور من سبقهم، وإن كان بعضهم يبرر الامر بالانتماء الى كتل نيابية قرارها السياسي مركزي و«نحن نلتزم»، بحسب احد النواب الحاليين الذي لا يزور المنطقة الا في عطلة نهاية الاسبوع للقيام بالواجبات الاجتماعية.
«موت» الحياة السياسية في البقاع ينسحب على الاحزاب، القديمة والجديدة، التي لم تستطع حتى اللحظة تبرير عجزها عن «مخاطبة» الجمهور البقاعي الذي بدأ يتململ من هذه الاحزاب وقياداتها. فتيار المستقبل لم يتمكن حتى اللحظة من بلورة «شكل» قيادته في البقاع، والصراعات الداخلية اقوى من «رسم» صورة القيادة للتيار في السهل المفتوح على كل الاحتمالات. وحتى اليوم فشلت كل الافكار في وضع آلية تنظيمية لتيار بدأ دوره السياسي يتراجع في المنطقة رغم المد الشعبي الذي يحميه من الخارج، بسبب الخلافات الشخصية.
وحال المستقبل لا تختلف عن حال القوات اللبنانية التي تجد في التيار الوطني الحر عائقاً أمام تمددها العمودي والافقي في القرى المسيحية البقاعية. فالقوات لم تخرج بعد من ورشة اعادة بنائها التنظيمية، والأنصار في البقاع ينتظرون انتهاء الورشة. لكن الانفتاح الذي تتحدث عنه القوات لم يترجم في البقاع. القواتيون لم يستسيغوا بعد فكرة «الانفتاح» والتلاقي مع حلفاء لهم في قرى سنيّة او درزية، او بالاحرى لم يتقدموا بمبادرات تفتح ابواب هذه القرى الموصدة بوجههم رغم التحالف مع «المستقبل» و«الاشتراكي».
في ظل هذا الركود السياسي، يبرز دور قوى نيابية سابقة اخذت «نفَساً» بعد استراحة أملتها «الظروف القاهرة» كما وصفها احد الاقطاب السابقين «ونحن نستعدّ لملء الفراغ السياسي في البقاع بعدما اعطينا الشارع فرصة المقارنة بين دورنا ودور الفريق الجديد الذي اختاره في ظرف قسري».
ولا ينكر القطب «الأخطاء» الكبيرة التي ارتكبت في الفترة الماضية، لكنه يصف الأخطاء التي يرتكبها رجال المرحلة الحالية بأنها تعادل اخطاء كل السنوات الماضية. ويسأل: «اين هي الخدمات التي وُعد بها الناس؟ لقد اسهموا في تقسيم النسيج الاجتماعي البقاعي الذي كان منسجماً ومتناغماً طيلة الفترة الماضية! ولن نسمح لهم بعد اليوم بأن يعيثوا خراباً في هذا النسيج، نحن على تماس يومي مع الناس، ونعرف كيف يحرّض بعض النواب الحاليين الناس بعضهم على بعض، طائفياً وسياسياً».