لأهل الاقتصاد نظرة مغايرة لتلك التي يمتلكها أهل الحكم حول حجم خسائر العدوان الأخير وسبل معالجته. إذ يعتقد هؤلاء بأن مشكلة لبنان الاقتصادية ليست بسبب العدوان بل بسبب السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ مطلع التسعينياتيرى الوزير السابق الياس سابا أن الرئيس فؤاد السنيورة لم يطرح خطة إنما "عناوين عريضة". مشيراً الى أن المشكلة الاقتصادية لا تعود الى الاجتياحات الإسرائيلية، بل إنّها نتيجة النموذج الاقتصادي المتّبع منذ عام 1992، الذي يحاولون ترميمه، لكن بفشل، وهو يرتكز على الإنفاق بما يفوق المداخيل، ويمول الفرق من الموجودات وبيع الأملاك والاستدانة".
ورأى أنه مع انعدام الحلول الجذرية فإن الحكومة "تؤجل المشكلة وتدفعها الى الأمام بفضل تدفق الأموال" المخصصة للإغاثة أو الديون والهبات والودائع. وقال إن العدوان الأخير أضاف مشاكل الى المشاكل الاقتصادية الأساسية، وهي "الإغاثة، الترميم، إعادة إعمار البنى التحتية، وقبل كل هذا إعادة إنعاش الاقتصاد اللبناني الذي كان يعمل بأقل من قدراته، وتلقّى ضربة كبيرة”.
أضاف سابا إن المطلوب اليوم “كبير وكبير جداً” إلا أنه ليس مستحيلاً، وهو يتلخص في “تحديد الاحتياجات، والأرقام الواردة حالياً غير دقيقة وغير صحيحة، ثانياً تحديد الأولويات، ثالثاً تنظيم الأطر والآليات للنهوض، وخصـــــوصاً أن الأطر السابقة (وزارات وصــــــناديق) أثبتت فشلها بســـــبب الــهــــدر وانــــــعدام الكــــــفــاءة والـــــوقـــت”.
ورأى أن الحل يبدأ عبر إنشاء هيئة وطنية جامعة تتخطى الانقسامات، وتشرف مباشرة على عمليات الإغاثة والإعمار والاستنهاض الاقتصادي، وتشارك فيها شخصيات تتمتع بالخبرة والكفاءة والصدقية، وتدير أعمال المؤسسات العامة والخاصة في إطــار أعمــــال الإغاثــــة والإعـماروسأل سابا في معرض التعليق على كلام السنيورة "على من نكذب؟ إرسال الشيكات مباشرة لا يحل مسألة تسرب الأموال ودخولها في الزواريب، إذ يمكن إدخال الأموال في الزواريب بعد تحويلها الى المستفيد الأول"، مشيراً الى دفع عمولات لاحقة بدل دفعها سلفاً.
وقال الخبير الاقتصادي الدكتور غالب أبو مصلح إن الحكومة اللبنانية قبل العدوان "كانت تدّعي أن الوضع الاقتصادي سليم، على رغم المؤشرات الاقتصادية التي كانت تمر من سيئ إلى أسوأ، وكان العجز يزداد، والفروق الطبقية تتسع، وقطاعات الإنتاج تهمل، ويزداد نطاق الفقر، وكل المؤشرات الاقتصادية تنبئ بالوصول إلى الحائط المسدود، وتظهر أن المشكلة ليست في ممارسة اقتصادية بقدر ما هي في بنية النظام الاقتصادي الذي اعتمد من قبل الحكومات المتعاقبة”. أضاف "اليوم يريدون تحميل كل المشاكل الاقتصادية للاعتداءات الإسرائيلية، وخصوصاً العدوان الأخير، لتبرئة ساحة الخيارات النيو ليبرالية التي اعتمدوها”.
وأشار إلى أنه خلال الأيام الأولى من العدوان "خرج من يتحدث رسمياً عن خسائر تصل الى نصف مليار دولار” وضخّمت أرقام الخسائر بشكل مقصود ومخطط، و"من المستحيل أن تصل أرقام الخسائر الى 15 مليار دولار، كما يتحدث مسؤولون رسميون حالياً”.
وفصّل أبو مصلح الخسائر على الشكل التالي "كل الجسور تكلف ما يقارب 1.5 مليار دولار، المباني السكنية لا تزيد تكلفتها عن 750 مليون دولار، ولو افترضنا أن كل آليات الاقتصاد تعطلت خلال فترة العدوان فهذا يعني خسائر بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي” بالتالي فإن كل خسائر الاقتصاد تصل إلى حدود 3 مليارات دولار.
ويرى أبو مصلح أن تحميل الاعتداءات مسؤولية الخسائر يهدف إلى "الشحادة على ظهر المقاومة، وهذه التقويمات الخاطئة هي فرصة للطبقة الحاكمة للحصول على مساعدات من الخارج ونهب الداخل اللبناني”. ويؤكد أن الطبقة الحاكمة ستعمد الى زيادة الضرائب وتمرير بنود "ورقة بيروت الإصلاحية" بما فيها "خفض التقديمات الاجتماعية، وستساهم بهذه الطريقة بالتحريض على المقاومة" التي سببت الاعتداءات وبالتالي الخسائر الجسيمة وبالتتابع التقليصات الاجتماعية وزيادة الضرائب. وقال إن الحكومة لا تمتلك أهدافاً اقتصادية، "ما عدا تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانية".