عكّار- ابراهيم طعمة
تخرّج فوزي بيطار المعروف بـ«أبو سمحت» في أوائل العام 1940 من مدرسة بزبينا الابتدائية، متسلحا بشهادة «السرتيفيكا» التي خوّلته القراءة والكتابة، وإجراء العمليات الحسابية. وقد ساعدته هذه المعرفة البسيطة على النجاح في عمله الزراعي الذي ربّاه عليه والده بعد تخرجه، ومازال يمارسه حتى اليوم. أحبّ أبو سمحت الأرض فأحبّته، و«أعطتني أكتر ما بستاهل»، كما يقول.
بعد مرور أكثر من خمسة وستين عاماً على انخراطه في العمل الزراعي، تعرّض فوزي لأول صدمة كبيرة في عمله من جراء العدوان الاسرائيلي الأخير على البلاد. فمني بخسارة هي الأكبر، والوحيدة في حياته. كان الأمل كبيراً بتصريف الإنتاج الذي بدا وفيراً هذا العام وذا جودة عالية، لكنّ الظروف شاءت أن يحصل العدوان في فترة جني موسم الدراق، «وهو موسم المواسم عندي لأنني أملك أكبر إنتاج لهذا النوع من الزراعات في منطقة الجومة. أثناء الحرب، قطعت الطرقات، ولم يعد بالإمكان تصريف الانتاج الذي تكسرت الأغصان لشدة حمله، مما اضطرني إلى بيعه بأبخس الاثمان، متعرضا لخسارة تجاوزت العشرة ملايين ليرةويتابع فوزي: «عندي ألف شجرة دراق من كافة الانواع المرغوبة. نبدأ عادة بالقطاف والتسويق اعتباراً من أواسط تموز، وحتى أواسط شهر آب. فاجأتنا المصيبة هذا العام. وبما أن نوعية هذه الفاكهة لا يمكن حفظها في البراد مدة طويلة بعد قطافها، اضطررت لبيع تسعة أطنان بسعر 400.000 ليرة، أي بخسارة تقارب عشرة ملايين ليرة، وبقي طن واحد على أمه من دون قطاف. فهذا الطن هو من النوع الذي يقطف متأخرا، لعلّي استطيع تعويض جزء من الخسارة. كما بعت أيضاً عشرة أطنان من الإجاص بسعر مماثل، فتراكمت خسائري التي وصلت الى أكثر من ستة آلاف دولار أميركي، توزعت على الفي دولار ثمناً للأسمدة، وألف دولار للتشذيب والتقليم، وألفي دولار ثمن أدوية وإيجار رش، الى الف وخمسمئة دولار مصاريف مازوت لبئر الماء, وايجار عمال, ومصاريف أخرى».
وبحسرة ومرارة يتنهد فوزي الذي لم تثقله السنون الطويلة بهمومها ومآسيها كما اثقلته هذه السنة، ليقول: «الرزق ما عاد يوفّي. كنت كل سنة وفّر بخزانتي عشرين مليون ليرة، اليوم عمدوّر عمين يديّنّي ألفين دولار بدون فايدة لسد بعض الديون، ولهلّق ما توفّقت».
يتحدث فوزي بيطار كيف انه حاول جاهدا إقناع أولاده الأربعة بالعمل في ما أسماه «خط الارض»، أي الزراعة، لكنّهم رفضوا وفضّلوا الوظائف: «يبدو معهم حق. ما شفنا شو هالآخرة اللي وصلنالا؟».
لكنّ أبا سمحت لا يلبث أن ينتفض قائلا: «لا لن أترك هذه الأرض مهما جار الزمن. الله كبير وبيعوّض. هذه الارض انبتت اجيالاً كما أنبتت ثماراً. أخي تعلّم في أميركا من خيرات هذه البساتين التي وفّرت المال لأقساط الجامعة. والحمد لله عنده مركز محترم، وأولاده متعلمون، أطباء ومهندسين. هيدي الأرض فضلها علينا وما رح أخذلها ما دمت حياً».