كامل جابر
لا تضاهي لهفة الجنوبيين على بيوتهم وحقولهم ومواسهم، لهفة، فكيف بهم وقد عادوا بعد نزوح قسري ليجدوا العدو قد دمّر تعب السنين وجنى العمر؟ إنما، من غير الطبيعي أن ينتظر المئات من أصحاب البيوت فوق أنقاضها أو تشظيها، أو قرب كعب قنبلة عنقودية، قد تطيح من يلمسها، يا لصبر الانتظار! وهم تائهون حول المرجعية التي ستتكرم وتزورهم لتسجل همومهم، قبل همّ فقدان المظلة وساتر العورة.
ثمة فوضى عارمة تقلق بال أصحاب البيوت المدمرة أو المتشظية، جنوباً، إذ إن كثيرين منهم يقبعون على "فتات" منازلهم تحت لهيب شمس آب، يتوهون نحو المدى، ولم يروا بعد وجه من "يطبطب" على أكتافهم المتكئة تحت هذا الحمل الموجع، وجع الروح، ليسأل ماذا حلّ؟ أو ليقول: اطمئنوا!. صحيح أن بعض الجهات، غير الرسمية قامت بإحصاء سريع ودفعت مبالغ أولى لأصحاب البيوت المدمرة أو المحتاجة إلى ترميم، لكن ما يخطر ببال أصحاب الوجع، هو أن الأيام في تراكض، والخريف على الأبواب، وبعده فصل المطر. فمن يرفع هذا الكمّ من الدمار، أولاً، ليدك صاحب الخسارة وتداً في زاوية البناء؟ أملاً في بداية استقرار؟ والمقلق الأكثر، توهان معظم المتضررين عن المرجعية "الرسمية" المخولة إحصاء ما تهدم، وخصوصاً بعد ملامستهم في الرؤية والتجربة، فرقاً، "تنط" مرة هنا ومرة هناك، لا استقامة طريق لإحصائها أو تقسيماً عملياً ونوعياً يراعي في بعض الأحيان حق "الدور".
في الجنوب، لا حديث، غير مآل الحقوق لأصحابها، مع قلق يكاد يفقد البعض أعصابه، فبات أكثر المتضررين، كالمستعطين على أبواب بعض المرجعيات، لتتفضل، بالحد الأدنى وتكشف على الأضرار! والعديد منهم بدأوا يدقون أبواب مرجعيات وزارية ونيابية وصاحبة السيادة والمعالي والحضرة، منية وساطة، وبعد أكثر من 11 يوماً على وقف النار، لم يجرؤ صاحب زجاج محطم على تبديل حطامه، خشية ضياع التعويض، فهل يجوز؟
في وسط هذا الجحيم من القلق، ثمة من يدغدغ احتياجات العائلات التي بقيت من دون بيت أو مأوى، بحصص تموينية "تافهة" تلعب دور الذّل، إذ ينال البعض نعيمها الذي يتفوق فيه عنوان المرجعية عن حجم "الحصة" على مرأى من جاره أو شقيقه، وهناك بعد، من لم يزل "يتاجر" سياسياً، بتوزيع الخبز المجانيّ العلني، ومساعدات "الذّل" التي يهلل لها، تهليل النصر أو الفتح المبين، وخصوصاً ممن كان غائباً إلى أيام طويلة عن مأثرة الصمود والمواجهة التي سجلها، أبناء الصمود، بالدم والروح وتمزق الأعصاب! من صيدا إلى النبطية، فمدينة صور، وصعوداً نحو كل القرى المختبئة تحت ركامها، ليعود اليوم بهذا "المنّ والسلوى"! أليس عيباً هذه الفوضى وهذا الاجتراح لمن يستحق التكريم والربت على كتف الوجع الذي لا يضاهيه وجع؟ أهكذا يكرم العائدون إلى جنوبهم؟
مع التذكير أخيراً، أن عشرات القرى المدمرة جنوباً، لم ير أبناؤها بعد، صورة وزير أو نائب أو محافظ أو قائمقام، أو حتى موظف رسمي، يقول: "تحية لكم"، فقط لا غير.