ناصر شرارة
هل أضاعت سوريا فرصة ثمينة نتيجة عدم دخولها الحرب؟
بعد يومين من بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، أخضعت دمشق كل قطاعاتها الاقتصادية والعسكرية الحيوية، لنظام طوارئ الحرب، أُفرغت كل إهراءات القمح الأساسية التي يمكن أن تشكل هدفاً للطائرات الإسرائيلية، ونقلت الى إهراءات محصّنة وغير معروفة، كما أُفرغت مستودعات البنزين والمازوت، ووُزعت على خزانات في المحافظات السورية لضمان تسهيل تأمينها للمواطنين. وخُزنت كمية من الأدوية تكفي عاماً على الأقل، لتلافي قصف مصانع الأدوية.
وعلى الصعيد العسكري نشرت وحدات جوية صاروخية على السدود المائية الأساسية، وفوق العاصمة، من طراز « نظام اسكندر ــــ اس 300» الروسية الصنع. واتخذت إجراءات أخرى كتحويل مطار المزة العسكري مهبطاً للمروحيات فقط، فيما نشرت تشكيلات الطائرات الأساسية في قواعد جوية تقع في عدد من محافظات شرق وشمال شرق دمشق. لتلافي ضربة إسرائيلية مباغتة لها.
وجرى تدعيم الجبــهة الجنوبية والجنوبية الغربية بالخنادق والدشم. واُعيد على هذه الجبهة تموضع الفيلق الثالث، الذي يضم عدداً من فرق النخب في الجيش السوري، ولا ســــيما الفـــــرقة 114. وبلغــــت درجة الاســـتنـــــــفار فــــــي الجـــــــيش حـــــــدهــــا الأقـــــصى.
من الأسرار التي لم تذع حتى الآن، أن وحدات الدفاع الجوي في الفيلق الثالث، أسقطت طائرتي استطلاع إسرائيليتين اخترقتا المجال الجوي لمنطقة انتشار الفيلق الثالث. وتقول الرواية الشعبية التي أصبحت رسمية لاحقاً من دون إعلانها، إن قائد وحدة للدفاع الجوي في الفيلق فتح النار من مضادات «شيلكا» (رباعي مع رادار محمول على عربات مدرعة) على هاتين الطائرتين من دون العودة الى قيادته.
وخلافاً للعادة، فإن الأخيرة لم تعاقبه، بل حصل على تقدير مالي من الرئيس السوري بشار الأسد.
سؤال يطرح نفسه، على رغم كل هذه التحضيرات التي توحي بأن سوريا كانت على حافة دخول الحرب: لماذا ظلت خارجها، وبالتالي حرمت نفسها من ثمارها السياسية؟
في دمشق إجابتان عن هذا السؤال، لا ثالثة لهما:
الأولى أن حزب الله لم يكن بحاجة إلى تدخل عسكري سوري. وهذه الحاجة لو برزت، لكان يمكن أن تشكّل سبباً جوهرياً لدخول دمشق الحرب.
الثانية، بدا جلياً لدمشق، من خلال الدراسة السياسية العميقة للحرب، أنها لن تؤدي في نهايتها الى طاولة مفاوضات. فالحرب جرت من أجل تحقيق هدف أميركي. والانتصار فيها سيؤدي فقط الى عدم تحقيق هذا الهدف.
وبهذا المعنى، لا ترى سوريا أنها خسرت فرصة، وخصوصاً أن ما بدا، خلال الحرب، أنه رسالة لها، عبر تشكيل فريق عمل جديد في وزارة الخارجية الإسرائيلية لمعاودة درس ملف المفاوضات مع سوريا، كان مناورة مكشوفة. فتوخّي إسرائيل تضخيم الإعلان عن التسلّم والتسليم لهذا الملف بين المسؤول السابق عنه ايتمار رابينوفيتش، والحالي يعقوب دايان، دلّ على منحى المناورة. إذ إن هذا الإجراء لم يرافقه في الماضي إعلان عنه أو تركيز للأضواء عليه.
وقد وافقت روسيا دمشق هذا الرأي، إذ أكدت قنوات موسكو الخاصة لدمشق أن حسابات الحرب ليست معنية بالحوار معها. ولن تنتج مفاوضات .