نقولا ناصيف
رغم أن المعلومات المتوافرة لديها عن تراجع ملحوظ في إمكان إصدار مجلس الأمن قراراً ثانياً مكمّلاً للقرار 1701 الذي أصدره في 11 آب، فإن مراجع رسمية تتحدّث عن منحى مختلف لقرار ثان متأخر قد يُقدم مجلس الأمن على إصداره، ويتوجّه الى سوريا مباشرة وحصراً. وهو مؤشر الى أن المجتمع الدولي في صدد الإنتقال من مرحلة الى أخرى في إطار إنهاء الصراع اللبناني ــــــــ الإسرائيلي في الجنوب، هو طيّ الصفحة الأخيرة من استكمال بسط السيادة الوطنية على كل الأراضي اللبنانية.
ووفق معطيات استقتها مراجع واسعة الإطلاع، فإن بضعة دول فاعلة على خط القرار الثاني حددت أو تكاد موقفها منه: واشنطن تريده ولا تريده، روسيا تعارضه، باريس تفضّل توجيهه في منحى مغاير، القاهرة (وإن لا مقعد لها في مجلس الأمن ساعية الى تعزيز دورها في الجهود الديبلوماسية) ترجّح القرار الثاني.
لكن هذه المعطيات تشير الى مبررات من شأنها أن تؤول الى تحديد آلية القرار الثاني، في حال أصدره مجلس الأمن:
1 - ما بلغ الى المراجع الرسمية من ايضاحات تتصل بما كان أعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش في 21 آب عن الحاجة الى إصدار قرار ثان. ووصلت هذه الإيضاحات الى جهات رسمية لبنانية عبر مسؤولين في الإدارة الأميركية اعتبروا أن ثمة «لغطاً» قد أحاط بموقف بوش، وأن الموقف الفعلي لواشنطن هو أنها لم تعد متحمسة لقرار ثان يتصل بعمل القوة الدولية في جنوب لبنان ومهماتها وآلية علاقتها بالجيش اللبناني.
2 - أن مشاورات تدور في أروقة الأمم المتحدة لرسم إطار القرار الثاني في مرحلة لاحقة، بعد تعزيز القوة الدولية في جنوب لبنان وتحقيق الإستقرار على الحدود اللبنانية ــــــــ الإسرائيلية.
وخلافاً لما كان طالب به الفرنسيون والأميركيون للقرار الثاني وهو أن يدرس آلية عمل القوة الدولية، تتوخى المشاورات الجارية تضمين القرار الجديد بندين رئيسيين ملزمين لسوريا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة: أولهما ترسيم كامل ونهائي للحدود اللبنانية ــــــــ السورية، وثانيهما تحديد دمشق موقفها الواضح من مزارع شبعا بوضع حدّ للسجال الدائر حول هذا الموضوع. خصوصاً وأن مجلس الأمن منذ تقرير الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان في 22 أيار 2000، قبيل انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان، أكد أن مزارع شبعا سوريــة في ضؤ 6 خرائط في محفوظات الأمم المتحدة مغايرة لخرائط لبنانية.
وبذلك يرى مجلس الأمن في المزارع مشكلة سورية لا إسرائيلية، وإن تحقيق انسحاب إسرائيلي منها يقتضي أن يقترن بداية بتأكيد لبنانيتها لإخراجها من نطاق ربطها بخط اتفاق فضّ الإشتباك الإسرائيلي ــــــــ السوري عام 1974 ووصلها بمنطقة عمليات القوة الدولية في الجنوب (اليونيفيل).
3 - أن الآلية التي يجري التشاور في شأنها للقرار الثاني تشمل تنفيذ ما يزال عالقاً حتى الآن في تنفيذ القرار 1701، وخصوصاً ما يتصل بإطلاق الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى «حزب الله»، ومن ثم في وقت لاحق الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. وذكر بعض المعلومات أن ثمة اتجاهاً الى خطوات تمهيدية في هذا الإطار تقضي بالسماح للصليب الأحمر الدولي تفقّد الأسرى لدى الطرفين والإطلاع على أوضاعهم الصحية. ويقع هذا المخرج في سياق عدم الربط بين الموضوعين، انسجاماً مع القرار 1701 الذي يفصل بينهما ويلح على إطلاق الجنديين الإسرائيليين الإسيرين من دون شروط.
4 - تبعاً لما تشير اليه المراجع الرسمية، فإن صمت إسرائيل حيال المشاورات الدائرة بين لبنان والأمم المتحدة يقترن بأفكار تقول بإرسال قوات من الأمم المتحدة الى مزارع شبعا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة سعياً الى أحد حلين:
- أن تكون تحت سيادة الأمم المتحدة، على نحو ما ورد في خطة البنود السبعة لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وقد رحب بها القرار 1701، ومن ضمنها المرحلة الإنتقالية للمزارع.
- أو أن يصار الى وضعها تحت ولاية المنظمة الدولية عبر وضع قانوني خاص، سعياً الى إيجاد حلّ نهائي للتجاذب اللبناني ــــــــ السوري القائم حيال ملكية المزارع، ومن أجل أن يضع المجتمع الدولي يده على نحو قاطع على مشكلتها.
وفي أي حال، بحسب المراجع الرسمية، فإن القول باعتماد الفصل السابع والولاية القانونية ربما بدوا غير واقعيين ومتاحين بالنسبة الى أكثر من طرف نافذ في المجلس الأمن.
والواضح من المنحى الذي تسلكه المشاورات الديبلوماسية بإزاء مزارع شبعا والحدود اللبنانية ــــــــ السورية، أن مجلس الأمن يُظهِر هذه المرة ـ أكثر من أي وقت مضى ـ جدية في إحداث فصل قيصري في علاقات غير متكافئة بين البلدين الجارين، مشوبة بالتهديد والتهويل وممارسة الضغوط والتلويح بالعقاب، الأمر الذي لم تهضمه سوريا بعد، ولا بدا أنها في صدد ذلك فعلاً، وأنها كذلك في مواجهة وقائع جديدة ترخي ظلالها، من خلال القرار 1701 تحديداً، على مسار علاقتها المقبلة بجارها الصغير.
والأصح أنها لا تزال تخاطب لبنان والمجتمع الدولي على السواء بلغة السنوات الـ30 المنصرمة.
يحمل ذلك على استعادة ما كان قاله وزير الخارجية الروسي إيغور إيفانوف يوماً، من عام 2003، لشخصية ديبلوماسية لبنانية، وهو أن سوريا «لا تزال تتكلم اليوم اللغة نفسها التي كنا قد درّبناها عليها طوال 30 عاماً».
ولذا يبدو الوجه الآخر للقرار 1701، عبر تشديده القيود على «حزب الله»، ومن ثم القرار الثاني في حال صدوره، الحيلولة نهائياً دون العودة الى ما كانت عليه الصفحات القديمة من العلاقات اللبنانية ــــــــ السورية، على امتداد عقد التسعينيات من القرن الماضي والسنوات الخمس المنصرمة، انطلاقاً من قاعدتين تخرجان مزارع شبعا من مأزقها العسكري والسياسي:
أولاهما تكرار مجلس الأمن تجربة الترسيم النهائي للحدود العراقية ــــــــ الكويتية عام 1990 على أثر تحرير الإمارة من الإحتلال العراقي.
وثانيتهما أن عدم بتّ مصير مزارع شبعا يكرّر للقوة الدولية الجديدة التي ينتظرها لبنان في الأسابيع المقبلة الدور الذي كانت عليه القوة الدولية (اليونيفيل) في جنوب لبنان عندما نيط بها تنفيذ القرار 425، فعجزت عن مهمتها هذه 22 عاماً (1978 ــــــــ 2000).