هل ربح حزب الله المعركة ضد إسرائيل، أم أن فريق الأكثرية ربحها أو ربح الحرب الإسرائيلية على حزب الله؟وقائع الساعات الأولى للعدوان مثل وقائع الساعات الأولى لصدور القرار 1701: مليئة بالغموض البنّاء.

لكن مفارقة السلوك السياسي القائم في البلاد منذ توقفت الغارات الإسرائيلية، يشي بأن فريق الأكثرية الغارق في “فوضاه الخلاقة” مصرّ على تحقيق مكاسب جديدة، لكن من النوع الذي يستلزم حكماً خسارة عند الآخرين. على أن هذا الفريق يستفيد حتى اللحظة من نمط حركة الفريق الآخر، ولا سيما حزب الله الذي، وإن كان مشغولاً بترتيب أوضاع الجبهة من جهة، وتسهيل عودة النازحين من جهة أخرى، فإن الموقف السياسي الذي يرسم خطاً فاصلاً بين مرحلتين لم يصدر بعد. وترقص من حوله مواقف وتقديرات من النوع الذي يعكس فهم فريق المعارضة لنتائج المعركة السياسية والعسكرية التي جرت.
لا بد من التوقف عند أربعة مؤشرات:
ــ الأول يتعلق بسلوك حزب الله وجمهوره وإعلامه. وإذا كانت منطقية أو مفهومة حالة الالتفاف غير المسبوق حول قيادة المقاومة ومع المقاومين خلال الحرب وتحيتهم على ما أنجزوه، فإن من المفترض بالمنتصر أن يعود قليلاً إلى الوراء في سبيل إبداء التواضع، حتى لو كان في لبنان من لا يفهم هذه الخطوة، ولم يفهم تواضع نصر عام 2000. ولكن المفيد أن يتوقف محبو المقاومة عن ربط القضية بجهة وبشخص مهما كانت القيمة المعنوية للسيد حسن نصر الله، إذ لا يجوز بعد اليوم أن يخرج أحد من تحت الأنقاض أو من خلف نعش ويقول: “فدا إجر السيد”، وخصوصاً أن حقيقة كون الأبطال هم الشهداء قد كرّستها أخبار المعارك التي أشارت أيضاً إلى سقوط شهداء من أبناء كوادر في المقاومة وإصابة آخرين من قادتها السياسيين.
ــ الثاني يتعلق بالاستراتيجيا السياسية المعتمدة، ذلك أن العمل الدؤوب لمنع الدخول في متاهات تقود إلى توترات داخلية يريدها الأميركيون أمس قبل اليوم، وكذلك الصمت عن مخالفات فاقت كل توقع من جانب فريق الأكثرية ــ كل ذلك لا يغير من حقيقة أن في لبنان من يتجاهل عمداً نتائج ما حصل، ويعمل ليل نهار لتحقيق مكاسب على طريقة الذي يخشى خسارة قريبة. وما سلوك الحكومة حيال مسألة الحصار البري والبحري إلا دليل على ذلك. فكيف إذا جرى التدقيق في سلوك الحكومة والوزارات المعنية حيال ملف الإعمار؟
ــ الثالث يخص الجبهة السياسية التي وقفت وقاتلت خلف المقاومة، والتي لا يمكن التعامل مع موقفها على أساس أنه “واجب وطني” فقط، بل يجب الانتباه إلى أن هذه القوى تحتاج الآن إلى خطوة تعيد التوازن السياسي إلى البلاد، وهي خطوة لا يمكن توقعها بدون تغيير هذه الحكومة. وقد لا يتطلب الأمر معركة إطاحة كما يخشى كثيرون، بل قيادة معركة سياسية لتأليف حكومة جديدة تنطلق في برنامجها الوزاري من الثوابت التي اتفق عليها حول طاولة الحوار، تهتم بإعادة هيكلة الدولة إدارياً بما يؤمن التزامها حاجات الشعب، كما تنظر في استراتيجيا دفاعية تجعل المقاومة موجودة ضمن إطار يلبي حاجات لبنان لا حاجات الآخرين.
ــ الرابع يتعلق بالموقف من رئاسة الجمهورية، حيث يفترض فريق الأكثرية أنه نجح في عزل الرئيس إميل لحود وفي جعله غير قادر على لعب أي دور في مجلس الوزراء أو خارجه، بعدما أظهرت تطورات الحرب الأخيرة أنه أكثر وطنية من كثيرين من الذين يتغنون بالسيادة والاستقلال. فقد نجح مسعى فريق الأكثرية، بالتعاون مع تيري رود لارسن، في منع حصول اجتماع بين لحود والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان. وهو أمر بات يعكس رغبة تتجاوز إضعاف الرئيس لحود بقدر ما هي محاولة لجعل موقع الرئاسة خارج الحسابات السياسية الداخلية والخارجية. وهي الخطوة التي تتم بتغطية غير مفهومة من جانب “مسيحيي الأكثرية”.
وفي المقابل، ثمة إشارات لافتة من جانب فريق الأكثرية، تتعلق بنوع النقاش المطلوب مع حزب الله في المرحلة المقبلة. وتبيّن أن الاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة مع عدد من الإعلاميين في الآونة الأخيرة قد عكست التفاهم الذي اقترحه النائب وليد جنبلاط والذي يقول بضرورة إيجاد مساحة سياسية وشعبية داخل الطائفة الشيعية تتم مخاطبتها وإعلاء شأنها سياسياً وإعلامياً على قاعدة إدخال الشيعة في الدولة باعتبار أن هذا الفريق يرى في حزب الله نقيضاً للدولة، أو ساعياً لبناء دولته الخاصة.
وقد باشرت الماكينة الإعلامية الخاضعة لنفوذ فريق الأكثرية هذه العملية من خلال كتابات وتصريحات واجتماعات ومناقشات تفترض أنه يمكن خلال فترة وجيزة إشغال حزب الله بنقاش يفترضونه “داخلياً”، أي داخل الطائفة الشيعية، وهو بدل من “ضائع برز عند فشل جذب الرئيس نبيه بري إلى المحور الآخر”، على ما يقول مرجع كبير متابع لهذه العملية.
وثمة جهود إضافية، لا لمنع تسهيل عودة جميع النازحين أو عرقلة ما يقوم به حزب الله لدعم الناس في إعادة إعمار ما هدمته إسرائيل، بل في بث أخبار عن “استنسابية من قبل حزب الله في تقديم الدعم” والبحث دون كلل عن حالات لم تلق الدعم حتى الآن ومن طوائف غير شيعية وإبــــــرازها. بالإضـــــافة إلى مهمة أخرى كلفت القوات اللبنانية القيام بها وتتعــــــلق بحـــــــملة على “فلتان أمني ومســــلح” يقـــــوده حــــــزب اللــــــه في منــــــاطق البـــــقاع.
يبقى أن هناك محاولة أخيرة يسعى فريق الأكثرية لإعادتها إلى الواجهة تتصل بنتائج التحقيقات اللبنانية والدولية في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. ويظهر وزير “الغرفة السوداء” حماسة كبيرة في إثارة ما يقول “إنها وقائع دامغة تثبت مشاركة فريق لبناني بارز”. ويتحدث عن “السيارات التي تخرج من ضواحي بيروت” ثم يضيف الآن: “ها هي الحرب مع إسرائيل قد أظهرت أن في لبنان فريقاً لديه القدرة المادية والتقنية على تجهيز سيارات مفخخة بهذا الحجم”. وهو الكلام الذي سرّبه نافذون في فريق الأكثرية إلى صحيفة “الفيغارو” قبل فترة التي نسبت إلى مقرب من سعد الحريري قوله إن حزب الله له صلة بالجريمة. ويريد هذا الفريق أن يرسم من جديد صورة سلبية للموقف الشعبي من حزب الله المقاوم وإعادة الاستنفار الطائفي إلى ما كان عليه قبل 12 تموز.