اللويزة ـــ سوزان هاشم
ما إن توقّف إطلاق النار، حتى بدأت قرى الجنوب تنفض الغبار عمّا ارتكبته الآلة الإسرائيلية من مجازر وأعمال وحشية. ومن أبرز تلك الأعمال ما جرى مطلع الشهر الجاري في بلدة اللويزة، عندما صبّت الطائرات الإسرائيلية جام حقدها على منزل المسعف في الصليب الأحمر غالب هاشم. فأودت بحياة والدته العجوز رشيدة مقلّد (70 عاماً)، و شقيقته إلهام (37عاماً)، وطفلته هنادي (12 عاماً). وقد جعلت الصواريخ الإسرائيلية "الذكية" من أجسادهن أشلاءً تعثّر انتشالها، فكتب عليهنّ أن يبقين قابعات تحت ركام هذا المنزل مدى الحياة.
كأن الطفلة هنادي أرادت أن تسجل ملحمة "طفولتها" العذبة، بتضحية قاتلة، بعدما ألحت بشدة على والدتها أن تغادر المكان، من دونها، توسلاً لإحضار الوالد الذي تأخر في عودته إلى المنزل. كان ذلك كفيلاً بإنقاذ الوالدة وشقيقها من موت محتّم، لتنضم هي وعمّتها وجدتها إلى قافلة الشهداء، بعد أن اغتالت الآلة الهمجية حتى حلمها البسيط بمعانقة والدها ولو مرة أخيرة، قبل السبات في نوم عميق.
تقول والدتها رباب، محاولة حبس دموعها وهي تنظر إلى صورة ابنتها: "قلبها كان ينذرها، لذلك أصرت عليّ بشدة أن أذهب لإحضار والدها، فقد كان مقرراً أن نغادر القرية، مستغلّين ما سمّي حينئذٍ قرار هدنة الـ48 ساعة، لكن "هيدا نصيبها" فما إن أدرتُ محرّك السيارة، حتى شعرت بحجارة تنهال عليّ و كانت الفجيعة". وقد نجا معها ابنها إبراهيم (16عاماً) الذي لحق بوالدته بغية مرافقتها.
كان الوالد غالب هاشم في هذه الأثناء يقوم بإصلاح أنبوب المياه، في خراج البلدة. وقد فوجئ عند عودته بالفاجعة، هو الذي تعوّد إنقاذ الناس، بات عليه إسعاف أشخاص يشكّلون جزءاً من حياته وروحه. ويلفت إلى "أن أياً من أعمال الإغاثة ومحاولة انتشال الجثث من تحت الأنقاض في اللويزة، لم تقم بها أي جهة رسمية. فالمبادرة كانت فردية من قبل العائلة والأهالي حتى في ما يخص تأمين الجرافة وغيرها من الآلات والمعدات".
ويشير هاشم إلى أن منزله "كان أشبه بملجأ للأهالي، وخصوصاً عندما يشتدّ القصف، إذ كانوا يتقاطرون إليه لأنني أعمل في الصليب الأحمر. بيد أن إسرائيل لا تفرّق بين مدني وعسكري أو مسعف".
و يعتزم هاشم بصفته موظفاً لدى منظمة دولية رفع دعوى على إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية، لخرقها اتفاقية جنيف، فهي لم تراع حرمة الأطفال والنساء والمدنيين العزّل".