نادر فوززغاريد، ورود، صور السيد حسن نصر الله، أعلام حزب الله، هتافات للـ«حزب» ولسيد المقاومة... ليس هذا مهرجاناً سياسياً ولا مناسبة حزبية، بل احتفال ارتباط عبد الله أمهز بمنى ذكر. تحوّلت أمس الضاحية الجنوبية لبيروت، التي كانت منذ أسابيع قليلة مسرحاً لصواريخ الطائرات الحربية وقذائف البوارج الإسرائيلية، إلى مركز للأفراح. وبدّلت «خيمة العمل التطوّعي» دورها الأساسي في استقبال المتطوّعين وتنسيق عمليات رفع الردم وإعادة الإعمار، فتحوّلت إلى محطة العريسين الأولى حيث قطعا قالب الحلوى.
أطلقت بعض الزغاريد، لكن «القوّيلات» غابت هذه المرة. بدا المشهد غريباً بعض الشيء. بالقرب من الأبينة المهدّمة والطرقات المقطوعة، يقف عروسان وأقاربهما ليهتفوا للمقاومة وسيّدها. «لبيّك يا نصر الله»، «هيهات منا الذلّة»... وشعارات أخرى حلّت مكان «المدائح النبوية» التي عادة ما ترافق الأعراس «الملتزمة».
حاول العريس عبد الله قول كلمة في هذه المناسبة، لكن «عجقة» الحاضرين منعت ذلك، إضافة إلى تخطّيه الوقت اللازم في «الخيمة». توجّه وعروسه بعد قطع «الكاتو» إلى أشلاء منزله الذي أصبح أحجار باطون متراكمة. تبادل النخب معها بالقرب منه، التقط بعض الصور، وألقى كلمة عفوية، تحدّث عن الديموقراطية الأميركية، عن الصواريخ «الغبية» التي هدّمت بيوت المدنيين، عن بوش، عن أولمرت، شكر سواعد المقاومين، والسيد حسن، والمقاومة... ثم غادر المكان بسيارة عرسه إلى «حيّ السلم» حيث أعاد تجهيز بيت آخر.
كان عبد الله قد أتمّ تجهيز منزله في «الضاحية»، قرب المربّع الأمني، وانتظر حلول نهاية شهر تموز ليقوم بالـ«النقلة». لكن عملية «أمطار الصيف» منعته من ذلك. ربما اختار العريس «الضاحية» بدل قرية «نبحا» البقاعية، لكي يأتي عرسه تحدياً للإسرائيليين، أو تعبيراً عن إرادة الصمود، أو ربما أراد فقط الاحتفال قرب منزله الذي لم يعد منزلاً. كان الجميع ينتظرون في الوقت نفسه لقاء للسيد حسن نصر الله على إحدى المحطات المحلية. «أصبح العرس بعرسين أو أكثر» يقول أحد الحاضرين.
جهاد، أخ العريس، رأى أنّ إقامة العرس في هذا المكان تعبير عن الانتصار. «اقتلونا فإنّ شعبنا سيعي أكثر فأكثر»، استشهد بالسيد عباس الموسوي ليقول إنّ الاستشهاد هو درب للحياة ولمتابعتها بطريقة طبيعية. نفضت «الضاحية» غبارها وردمها وعادت تستقبل مواطنيها للاحتفال بالشهداء أو بالولادات أو بالأعراس. إنّها منطقة يعبّر شعبها عن عدم اكتراثه لهول الفاجعات والمجازر، عن حب الحياة، عن إرادة الصمود والمقاومة. والمقاومة لا تكون في حيازة السلاح وتنظيم المقاتلين فقط، بل في النفوس أيضاً.