غسان سعود
بلغ المعدّل اليومي للشكاوى الواردة إلى مكتب مديرية حماية المستهلك خلال شهر الحرب قرابة مئة شكوى يومياً. كتبت نصف هذه الشكاوى تقريباً بحق محطات الوقود. لكن لم تسجّل المديرية سوى واحد وستّين محضر مخالفة. ولم يبت القضاء في أي منها حتى اليوم، علماً أنّ المهلة الأسرع لإصدار الأحكام هي شهر ونصف الشهر من تاريخ عرض الملف أمام النيابة العامة.
تتراوح تهم المديرية لمحطات الوقود بين الامتناع عن البيع والتلاعب بالأسعار. ولم يُلاحق الذين باعوا وقوداً سورياً دخل بطرق غير شرعية، وسَبّبَ، وفقاً لعدد من الشكاوى التي وردت إلى مديرية حماية المستهلك، تعطيل عدد كبير من السيارات. ويعود انخفاض عدد المحاضر، بحسب أحد كبار الموظفين في مديرية حماية المستهلك، إلى تعرض المراقبين لإطلاق نار وإهانات وضرب. وأشار الموظف إلى تفرّد مديريّته بتنظيم المحاضر وإكمال المراقبين القيام بعملهم، وهو ما أمّن استمرار بقاء السلع الأساسية كالبنزين والمازوت والغاز والخبز. أما السوق السوداء، بحسب الموظّف نفسه، فازدهرت في ساعات المساء، بعد أن ينهي موظفو المديرية عملهم. ولم يصدر خلال فترة الحرب أي قرار من قبل النائب العام التمييزي بإقفال محل تجاري جراء شكوى تقدمت بها مديرية حماية المستهلك، حرصاً منها على عدم إقفال «باب رزق» أي عائلة.
لم تقم الدولة، بحسب أحد موظفي وزارة الاقتصاد، بأي جهد جدي لتوعية اللبنانيين على عدم الإسراف في استهلاك البنزين، والحد من الخوف والهلع لدى المواطنين، والجشع عند التجار. الأسوأ أن الحكومة اللبنانية ووزارة الاقتصاد لم تبادرا إلى إعلان حال طوارئ في مديرية حماية المستهلك ورفع مستوى تأهب المراقبين، وزيادة عددهم البالغ واحداً وسبعين مراقباً يغطّون جميع الأراضي اللبنانية، رغم وجود ملف مشروع توظيف خبراء ومراقبين جدد في عهدة مجلس الوزراء، وينتظر إقراره منذ بضعة أسابيع.
تجدر الإشارة إلى أنّ المخالفة بحق أصحاب محطات الوقود، إذا ما أقرّت من قبل القضاء، تتراوح قيمتها بين أربعة وثلاثة عشر مليوناً، وهي مبالغ حَصَلَ بعض التجار على أضعافها.
بعض المراقبين نقلوا لـ«الأخبار» أمثلة عن تجربتهم الأخيرة. فأكد أحدهم أن أحد الأفران خَفَض وزن ربطات الخبز التي يبيعها من 1300 غرام (الوزن الرسمي) إلى 1000 و1100، ورغم تحرير مخالفة بحقه، استمر في عمله غير الشرعي، ولم يصدر الحكم بحقه حتى اليوم. لكنّ أنيس بشارة، نقيب أصحاب الأفران، أكد في اتصال مع «الأخبار»، عدم وجود محاضر بسبب عدم مخالفة الأفران وتقيدها جميعها بالقوانين. وقال إن المهم اليوم هو تأمين وصول القمح والطحين إلى الأفران، وخصوصاً أن القمح قارب النفاد. ولم يحصل التجار بعد على تطمينات حكومية تؤكد لهم القدرة على تسلم ما اشتروه.
أحد أصحاب محطات الوقود في عاليه عدّل عدادات محطته، وحافظ على سعر الصحيفة المعتمد، فحُررت مخالفة بحقه. لكن لا شيء يُثبت وصولها إلى المحكمة. وقال عبد الأمير نجدة، رئيس الاتحاد الوطني لسائقي سيارات الأجرة، إنّ ثمّة حاجة لتشكيل لجنة من قبل وزارتي النقل والمواصلات وجمعية حماية المستهلك لدراسة مقترحات تمنع تكرار حصول الفوضى في ظروف مشابهة. ولفت إلى عدم قدرة السائقين خلال الحرب على الاتصال بأي مسؤول لتأمين أربع أو خمس محطات في بيروت وجبل لبنان لتزويد السيارات العمومية بالوقود، وإيجاد حلول لها كما حصل سابقاً. ولفت أحد الموظفين إلى أسفه لتحول التجار البسطاء إلى ضحايا جشعهم، فيما كبار التجار لا يتأثرون بالضوابط ويمضون في مخالفاتهم من دون حسيب أو رقيب.
وأشار المحامي وجدي الحركة، عضو الهيئة التأسيسية في جمعية المستهلك، إلى واجب تدخل مديرية حماية المستهلك في مراقبة توزيع المساعدات العينية والأدوية التي بيع بعضها ولم تصل إلى كل المناطق. وقال إن آخر المخالفات بحق المستهلك سُجلت مؤخراً في قرار شركة الاتصالات الهاتفية (mtc touch) العودة عن قرارها بتمديد مهلة السماح لمشتركيها بعدم «التشريج». فثمة مواطنون سافروا حاملين معهم بطاقاتهم بعدما اطمأنوا إلى عدم احتراقها. لكن الشركة، وبالتنسيق مع وزير الاتصالات، أصدرت قرارها الذي يهدد المواطنين بفقدان خطوطهم الخلوية قبل أن يخرجوا من الملاجئ.
الأسئلة التي يطرحها المواطنون بعد التجربة التي لن ينسوا مرّها تتمحور حول مدى استعداد النيابة العامة لبتّ التجاوزات، ولا سيّما أنّ ثمة محاضر تكررت بحق متهمين بالمخالفة. ولماذا لم تمارس وزارة الاقتصاد حقها بتكليف مراقبين من قبل رؤساء البلديات وفقاً للقانون الذي يجيز لهم التمتع بكافة الصلاحيات القانونية للضابطة العدلية في دهم المتاجر وتحرير محاضر بها؟ ومن يضمن للبنانيين أنّه ليس ثمة مواد منتهية الصلاحية بين المعلبات التي يشترونها، بعدما غاب مراقبو وزارة الاقتصاد عن متابعة ما أعيد استحضاره من المخازن، وما يدخل يومياً عبر الحدود؟ وما جدوى المجلس الوطني لحماية المستهلك الذي يرأسه وزير الاقتصاد، ويشارك في عضويته المدراء العامون في وزارات الاقتصاد والزراعة والصحة والبلديات والصناعة والبيئة والسياحة والاتصالات والإعلام والتربية وجمعيات حماية المستهلك، إذا لم ينعقد ويتخذ خطوات عملية في ظروف شبيهة بالتي مرّ بها لبنان؟