أمال خليل
كلما طُلب من إكرام الحديث عن عودتها إلى قريتها دير سريان في قضاء مرجعيون، تدعوك للاستماع لتفاصيل 21 يوماً في البلدة قضتها في رعاية 17 عجوزاً منها ومن بلدة الطيبة المجاورة. هي «لا تريد الحرب» لكن «ما عانوه مذ تركوا البلدة وبعد عودتهم، كان أسوأ بكثير».
لم يكن في وسعها أن تترك المسنّين ولم تقترب أيّ هيئة إنسانية من البلدة طوال الحرب، وهذا لم يترك لها إلا خيار التنقل يومياً مئات المرات بين البيوت لتجمع ما بقي فيها من طعام وماء. ولم تتوانَ عن تمضية ساعات في الحقول تحت الخطر، تقطــــف الخضر وتنقل أكيـــــاس الطحـــــين لتـــــؤمن الخــــبز والطــــــعام للعجــــّز وللمــــقاومين.
بقيت يومياتها على هذا النحو الى أن اضطروا للخروج من البلدة بعد اشتداد الخطر. خلال يومي الهدنة، مشوا مسافة 10 كلم حتى جسر القعقعية المقصوف، وقطعوا النهر حيث كان بانتظارهم الدفاع المدني الذي أقلّهم إلى مراكز النزوح في صيدا وبيروت. تقول أم فايز إنهم «عانوا هناك ما عانوه مما يشفيه الانتصار. لكن الذي عانوه بعد عودتهم، يحتاج الى وقت طويل كي يندمل».
لدى العودة، كان أول ما استقبله الأهالي، جثتان لرجل وامرأة عجوزين، مشيا مسافة طويلة هرباً من الطيبة قبل أن تقصفهم الطائرة عند مدخل دير سريان. وعند آخر البلدة لناحية الطيبة، جثة أخرى لرجل كان برفقة ابنته، قتله الجنود الإسرائيليون ثم سحبوا جثته إلى داخل محطة وقود، وبقيت ابنته بجانبه عشرة أيام، قبل وقف إطلاق النار.
أما البيوت التي سلم معظمها من الدمار، فلم تسلم من قذارة العدوّ، اذ تحصّن فيها الجنود وأكلوا وشربوا وناموا وسرقوا وعاثوا فساداً وخراباً وتركوا الأوساخ والروائح الكريهة في حنايا البيوت. البراد والغسالة والأثاث أصبحت دشماً سدّوا فيها النوافذ والأبواب.
أما إكرام، التي لم يسلم بيتها ورزقها من القصف، فتمنت لو أنها لم تترك البلدة لأنها هنا كانت تستطيع ان ترى «الوجه الجميل للعدوان في وجوه الشباب (المقاومين)». تقول إن كل ما عانته تبدّد، لحظة وجدت حديقتها لا تزال نضرة حيث كان الشباب يسقونها في غيابها.
المشهد في دير سريان يكتمل دماراً وموتاً في الطيبة المجاورة. المركز التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية في وسط البلدة مقفل، وشبكات الطرق والكهرباء وخطوط المياه والهاتف المســـحـــــوقة لا تجـــــد مـــن يســـــــأل عنــــها.
«حتى الخبز لم يصل بعد إلى المنطقة» يقول أبو علي بحسرة ولا سيما أنه لم يعد يملك شيئاً بعد دمار البيت وحقل التبغ الذي لا يستطيع أن يصل إليه بسبب انتشار القنابل العنقودية.