strong>لم يحمل الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان معه «النبأ السار» الذي كان ينتظره لبنان والقاضي برفع الحصار الإسرائيلي المفروض عليه بحراً وجواً فيما طالب بتسليم الجنديين الأسيرين لدى حزب الله إلى الحكومة أو الصليب الأحمر منوهاً بما بذلته الحكومة اللبنانية لتطبيق القرار 1701
إبراهيم عوض

أظهرت المحادثات التي أجراها أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان في بيروت أمس أن لا شيئ حاسماً على صعيد رفع الحصار الإسرائيلي عن لبنان، وكذلك الأمر في ما يتعلق بموضوع مزارع شبعا.
وأبلغ بري أنان بأنه يتجه للطلب من الدول العربية أن تعمد الى تسيير رحلاتها الجوية الى مطار رفيق الحريري الدولي في خطوة تحدٍ لإسرائيل من أجل دفعها الى رفع حصارها عن لبنان. وقد أبدى أنان تفهماً لهذا الموقف واعداً ببذل ما في وسعه خلال زيارته إسرائيل لوضع حد لهذه القضية. كما أشار الى أنه مع انتشار القوات الدولية في الجنوب سيتعزز الاستقرار والأمن في المنطقة.
هذا، ونوه أنان بالجهود التي بذلتها الحكومة اللبنانية لتطبيق القرار 1701، وقال في مؤتمر صحافي عقده مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بعد انتهاء الجولة الثانية من المحادثات بينهما إن هناك فرصة للتوصل الى وقف لإطلاق النار طويل الأمد، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك قانون واحد وسلطة واحدة وسلاح واحد في لبنان، وطالب بإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى حزب الله وتسليمهما الى الصليب الأحمر أو الى الحكومة اللبنانية أو الى أي طرف آخر.
وفيما شدد أنان على ضرورة تطبيق أحكام اتفاق الطائف أوضح أن نزع سلاح حزب الله يحل عبر الحوار الوطني لا بالقوة.
وكان أنان وصل الى مطار بيروت عند الثانية عشرة والربع ظهر أمس على متن طائرة إسبانية خاصة تابعة للقوات الجوية الإسبانية، يرافقه وفد رفيع ضم في عداده موفده الى الشرق الأوسط لتنفيذ القرار 1559 تيري رود لارسن، ومستشاره فيجاي نمبيار ومدير عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة جان ماري كيهيتيو والمسؤول في المنظمة الدولية مايكل ويليامس، حيث كان في استقبالهم وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ والممثل الشخصي لأنان في لبنان غير بيدرسون.
وبعد استراحة قصيرة في صالون الشرف أدلى أنان بتصريح مقتضب قال فيه: «تأتي زيارتي الى لبنان في هذا الوقت الحساس والمهم جداً. وأرى أنه من الأهمية بمكان أن آتي شخصياً الى لبنان لأبحث مع المسؤولين اللبنانيين الأوضاع بعد شهر من الحرب، والإجراءات التي يجب أن نتخذها لتطبيق القرار 1701، ولنؤكد للبنان التضامن والدعم الدولي له».
واستهل أنان برنامج الزيارة بجولة أولى من المباحثات عقدها مع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في السراي الكبير غادر بعدها للاجتماع مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.
وإثر اللقاء قال أنان في حضور الرئيس بري: «هناك فرصة لتحقيق سلام طويل الأمد في المنطقة ولدينا الكثير لنقوم به».
وأضاف: «دخلنا مرحلة إعادة البناء ولدينا فرصة للتوصل الى وقف إطلاق النار طويل الأمد»، مشيراً الى أن البحث تناول «ما بعد فترة الحرب وما بعد الحرب وتطبيق القرار 1701»، وقال: «تريد المجموعة الدولية أن تعمل بشكل يؤمن تطبيق القرار (1701) حتى آخره».
من ناحيته وصف بري جولة الاجتماعات بأنها كانت «مفيدة للغاية». وأوضح «ان التركيز تم على موضوع الحصار (الإسرائيلي) للبنان وبالتالي خرق القرار 1701 بالنسبة للمطار والمرافئ البحرية». وقال: «عرضنا له كل الخروقات الإسرائيلية للقرار 1701 في وقت قام به لبنان منذ اليوم الأول باحترامه وتطبيق مو جباته». وأشار الى أن البحث تناول «ضرورة تحسين العلاقات السورية اللبنانية في سبيل الوصول الى الغاية المنشودة أكثر فأكثر».
وعاد أنان الى السراي ليلتقي مجدداً الرئيس السنيورة والوزراء في الصالون الرئيسي للسراي حيث عقد الاجتماع الثاني الذي غاب عنه وزير الدفاع الياس المر ووزير شؤون المهجرين نعمة طعمة. كما عقد أنان اجتماعاً في أحد مكاتب السراي مع وزير الطاقة والمياه محمد فنيش في حضور غير بيدرسون وعرض معه على مدى 25 دقيقة عدداً من القضايا ولا سيما الموضوع المتعلق بتبادل الأسرى. كذلك اجتمع أنان مع وزير العدل شارل رزق.
وإثر الاجتماع عقد السنيورة وأنان مؤتمراً صحافياً استهله الأول بالتأكيد على التزام لبنان بتطبيق القرار 1701 «والسيطرة التامة على حدوده سواء البرية منها أو مناطق الدخول عند المطار والموانئ والمرافئ البحرية، وكذلك الالتزام بخطة النقاط السبع».
وتحدث أنان معرباً عن سعادته بالعودة الى لبنان مبدياً إعجابه بشعبه الذي «تعرّض مجدداً لظروف مأسوية».
وقال أنان: «طبعاً إن وقف المواجهات العسكرية قد حصل بشكل جيد (...) لا بد من وجود قانون واحد وسلطة واحدة وسلاح واحد. وأنا سأحث الوزراء الإسرائيليين لرفع الحصار عن لبنان وسنسعى جاهدين للتوصل الى ذلك. لذلك أطالب بإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين الأسيرين ونريد أن ينقلا الى لجنة الصليب الأحمر أو الى الحكومة اللبنانية أو أي طرف، حيث ان الأمم المتحدة مستعدة للعب دور لو طلب منها ذلك. ولا بد لنا أن نعالج مسألة المعتقلين والسجناء الآخرين، فبدون تطبيق القرار 1701 أخشى أن يكون الخطر كبيراً من تجدد المواجهات العسكرية».
أضاف: «الوحدة الوطنية ضرورية وأساسية لجعل وقف المواجهات العسكرية أمراًَ دائماً استناداً الى القرار 1701. دعوني أركز على هذه المسألة التي قلتها للرئيس السنيورة، ففي الواقع هذه قائمة ثابتة وليست مجرد سر. علينا أن نعتمد هذا القرار بكامله وأرجو من جميع الأطراف أن يركزوا على ذلك ويتصرفوا انطلاقاً من هذه الروح».
ولفت أنان الى أنه «لتجنب استئناف المواجهات العسكرية فإن على جميع الأطراف اللبنانية أن تحترم الخط الأزرق بكامله وأن تحول دون حصول أي اعتداءات على الحدود، وعليّ أن أقول إنني أعجبت فعلاً بالاحترام الذي عبر عنه لبنان في الاختيار الشجاع للخط الأزرق والانضباط الذي برز منذ بداية وقف المواجهات العسكرية. ولكي يتحول هذا الوقف للمواجهات العسكرية الى وقف لإطلاق النار لا بد أن نقيم منطقة خالية أو منزوعة السلاح في الجنوب وذلك من خلال اتفاق وطني».
وقال أمين عام الأمم المتحدة: «إن جميع أحكام اتفاق الطائف يجب أن تطبق وبخاصة الدعوة الى نزع سلاح جميع الميليشيات وحلها وبالتالي يساهم ذلك في توطيد الوحدة الوطنية في لبنان». وفي إشارة الى سوريا طالب أنان «دولاً مجاورة أن تظهر تعاونها التام من أجل حل جميع المسائل العالقة المرتبطة بالحدود وأنا أريد أن أحمل هذه القضية خلال زيارتي الى المنطقة».
وفيما لفت الى ضرورة اتخاذ «كل الخطوات المطلوبة من أجل تحويل وقف الاعتداءات العسكرية الى وقف كامل وطويل المدى لإطلاق النار»، أكد على «أن السلام الشامل والدائم هو الذي يحملنا الى نهاية النزاع في الشرق الأوسط». شاكراً الحكومة اللبنانية «على جميع الجهود التي تبذلها والخطوات التي تتخذها من أجل تأمين الحدود جواً وبحراً وبراً». وقال: «إن على الدول المجاورة أن تفعل الأمر نفسه والحكومة اللبنانية تتخذ خطوات ملموسة.. أنا مطلع عليها، وذلك لضمان حصول ذلك. ومن المهم أن تكون الحدود محمية وألا تحصل أي محاولات للتسلح، فلبنان واجه الكثير من النزاعات وهنالك الكثير من الأسلحة في البلاد لم نعد بحاجة إليها. نحن نعلم أنه ليس على لبنان وحده أن يحمي حدوده بل على جميع الدول أن تحترم قرار مجلس الأمن الذي يفرض حظراً على تهريب السلاح الى لبنان».
وفي حوار مع الصحافيين سئل أنان: ماذا بحثت مع الوزير فنيش في لقائك معه؟
أجاب: لقد ناقشت مع الوزير فنيش مسألة الجنديين الأسيرين وضرورة إطلاق سراحهما، بالإضافة الى مسألة السجناء اللبنانيين.
وفي رد على سؤال حول الضمانات لعدم حصول أي خلافات في لبنان، قال أنان: «نحن نسعى الى تطبيق لاتفاق سياسي في نهاية المطاف تقبل به جميع الأطراف، ومن شأن ذلك أن يوصلنا الى وقف لإطلاق النار والاستقرار بين إسرائيل ولبنان. نحن كيونيفيل لسنا العدو ويجب ألا تطلق النار علينا، والمقصود بذلك «حزب الله». نحن لدينا جنود مدربون بشكل جيد ويعلمون كيف يتعاطون مع أوضاع مماثلة، ولكن طبعاً إذا كانت حياتهم في خطر وإذا تم الاعتداء عليهم لا بد لهم أن يدافعوا عن أنفسهم».
وسئل عن فرص قيام سلام حقيقي وعن الجهة التي ستقوم بنزع سلاح «حزب الله» فأجاب: «علينا أن ننظر الى التاريخ وحالات أخرى في العالم، فالعديد من المجموعات المسلحة في العالم نزع سلاحها من خلال اتفاق وقرار سياسيين.
ولهذا السبب فإن الحوار الوطني الذي كان قائماً في لبنان قبل الحرب كان على جدول أعماله نزع السلاح ويمكن أن تحل هذه المسألة نهاية المطاف. وأنا على ثقة بأن معظم اللبنانيين، إن لم يكن جميعهم يريدون رؤية مجتمع خال من النزاع، معظم اللبنانيين يريدون رؤية وضع تكون فيه السلطة الوحيدة وحاملة السلاح الوحيدة هي الحكومة اللبنانية. دعونا لا نغش أنفسنا ونعتبر أن نزع السلاح يمكن أن يتم بالقوة».
وشهدت السراي الكبير ليلاًُ جولة ثالثة من المحادثات بين أنان والسنيورة حضرها وزيرا الدفاع والداخلية بالوكالة الياس المر وأحمد فتفت اضافة إلى قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية. وتركز البحت على الاجراءات التي تتخذها السلطات اللبنانية على المعابر والمساعدات التقنية التي تحتاجها, وقد استمر البحث الى عشاء عمل.
واستقبل أنان في مقر اقامته في فندق «موفمبيك» رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري الذي نوه بالأمين العام للأمم المتحدة الذي «كان دائما إلى جانب لبنان. ومنذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وحتى اليوم يقوم بمساعدة لبنان».
ورفض الحريري مطالبة البعض بتغيير الحكومة مشيراً إلى أن هذه الحكومة مستمرة في مهامها لأنها هي التي استطاعت تغيير قرار مجلس الأمن بحيث تضمن القرار 1701 النقاط السبع, وهي التي قاومت اسرائيل, وهي التي ستخرج العدو من الأراضي اللبنانية, وهي التي ستعيد إعمار كل منزل تهدم». واصفاً الرئيس السنيورة بـ «رجل دولة».
ومن المقرر أن يتوجه أنان صباح اليوم الى الناقورة لزيارة مقر قيادة قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب. ويتوقع أن يتفقد عدداً من البلدات والقرى الجنوبية التي دمرتها القوات الإسرائيلية.