بنت جبيل- داني الأمين
لم يعد بإمكان العديد من أطباء قرى وبلدات جبل عامل ان يتعالوا على بؤس الأزمة المادية، التي كانت تحيط بهم أصلاً قبل الحرب الأخيرة. فقد كانوا يحرصون على الظهور أمام الملأ بنوع الاكتفاء، من خلال حرصهم على تجهيز أثاث منازلهم وعياداتهم بما يليق بهم كأطباء، لكنّ أوضاعهم المادية لم تكن تعكس دائماً هذه المظاهر. وحتى أثناء نزوحهم خلال العدوان الاسرائيلي الأخير، لم يكن باستطاعتهم الا ان يستأجروا المنازل التي تحفظ مواقعهم وتصون مكانتهم الاجتماعية، برغم الاستغلال الفاحش الذي تعرض له النازحون من خلال رفع بدلات الايجار واسعار السلع. وكان من شأن ذلك القضاء على ما استطاعوا ادّخاره لمواجهة الأعباء المعيشة القادمة.
وبعد توقف اطلاق النار عاد الكثير من الاطباء ليجدوا منازلهم وعياداتهم قد دمرت او تضررت. فالمباني التي تشغلها عيادات الاطباء في سوق بنت جبيل تعرضت جميعها للقصف الاسرائيلي، وكذلك غالبية البيوت.
يقول الطبيب عبد فرج من بنت جبيل: "وجدت عيادتي ومنزلي مدمرين بالكامل. فلا مكان لي للبقاء هنا حيث لم يعد لدي أي عمل أو سكن". اما الطبيب موسى كريم من شقرا، فهو في صدد البحث عن منزل وعيادة في بيروت, اذ يعتقد "انه لو أعدت بناء عيادتي ومنزلي، فان العمل لن يكون متوافرا على المدى المنظور، نظراً لنزوح الكثير من المواطنين، خصوصاً الميسورين منهم، وضيق الوضع المادي للعائدين".
ويقرر الدكتور احمد مرمر ترك بلدته الطيبة، معلقاً: "حاولنا طوال السنوات الست الماضية، ان نؤسس للاستقرار هنا، وماذا حصل؟ لن نحاول من جديد". ويتابع: "من يحمي حياة اولادي اذا قدر للحرب ان تعود ثانية؟".
واذا كان هناك من يحاول التعويض على المواطنين باعادة بناء منازلهم، فمن يعوض الخسائر المادية التي تكبدها هؤلاء وغيرهم، اثناء نزوحهم وانقطاعهم عن العمل، خصوصاً انهم ما زالوا حتى الآن من دون عمل، وسيستمر الأمر، على ما يبدو، وقتا طويلاً.