أنطوان سعد
يشعر بعض أعضاء 14 آذار الذي اعتاد أن يكون متحركاً وفي صلب المطابخ والأحداث بنوع من العزلة والتهميش. فهذا البعض لعب دوراً محورياً في إنشاء لقاء قرنة شهوان والاستعداد لثورة الأرز وفي تحقيق الاتصال بين اللقاء والرئيس رفيق الحريري ومن ثم بنجله سعد للتنسيق في تمرير قانون الألفين وتأليف اللوائح الانتخابية. لكن، منذ تأليف الحكومة، خصوصاً بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى إنشاء هيئة الحوار الوطني التي لم تشمل هذا البعض فعارضها، انكفأ دوره وصار مقتصراً على المشاركة في لجنة المتابعة المنبثقة من لقاء قوى 14 آذار، وعلى تلاوة البيانات الصادرة عن هذه الاجتماعات. كما يبدي نوعاً من الخيبة جراء أداء رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع الذي كان هؤلاء يتوقعون منه مزيداً من الاهتمام بهم، ويعولون عليه لتأليف رافعة مسيحية موازية للنائب ميشال عون تنقذهم من الإحراج الذي يشعرون به منذ الانتخابات النيابية الأخيرة.
وتفاقم هذا الشعور بالعزلة إبان العدوان الإسرائيلي الأخير مع استمرار استبعاد هذا البعض عن دائرة التشاور والقرار، ومع صدور القرار الرقم 1701 الذي يحيطه كثير من الغموض حيال ظروف ولادته وإمكان تطبيقه. وبنتيجة هذا الوضع داخل قوى 14 آذار، قررت ثلاث شخصيات من التجمع إطلاق ما تراه «خطة إنقاذية سريعة» تحت عنوان: «لبنان إلى أين؟»، تهدف إلى درس الواقع اللبناني المستجد بعد أحداث 12 تموز «ومواجهة الهجمة الإيرانية ـــ السورية الرامية مع امتداداتها داخل لبنان إلى إسقاط الحكومة وتقويض الدولة اللبنانية، والبحث في كيفية مواكبة القرار 1701 لضمان تنفيذه في الشكل الذي تثبت فيه السيادة اللبنانية الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية».
وتحاول مجموعة الثلاثة تعمميم أفكارها على كل قوى 14 آذار أو معظمها قبل إعلانها رسمياً، حتى لا تجهض حركتهم التي يضعونها في خانة «المساعي للخروج من المرحلة الانتقالية التي تجتازها البلاد منذ خروج الجيش السوري». وترى هذه المجموعة أن المرحلة الانتقالية طالت أكثر مما يجب وأن التأخير «بات يهدد بتبدد إنجازات انتفاضة الاستقلال». وتلفت إلى أن الظروف التي تجتازها البلاد لا تفسح في المجال أمام إجراء نقد ذاتي ومساءلة تفند الأخطاء التي ارتكبها الجميع بدءاً من رفض إسقاط رئيس الجمهورية، إلى قيام التحالف الرباعي وطريقة تأليف الحكومة وصولاً إلى عدم إصلاح الخلل في أجهزة الدولة ومرافقها والمؤسسات العامة.
وتقوم «الخطة الإنقاذية» على تفعيل الحكومة الحالية وتثبيت مبدأ الاحتكام إلى التصويت في كل مرة يتعذر فيها الإجماع، كما هو حاصل في مجلس النواب حيث تبرز ضرورة لفتح دورة استثنائية والسعي إلى إقرار «إعلان الجنوب منطقة عسكرية» تمهيداً لضبط الواقع ميدانياً وأمنياً وسياسياً واجتماعياً، ولإقفال المجال أمام كل مسعى لإعادة وضع المنطقة الجنوبية إلى ما كانت عليه قبل 12 تموز الماضي. وتلحظ الخطة إعادة طرح مطلب تنحية رئيس الجمهورية ولكن من منطلق تطبيق القرار الدولي الرقم 1559، إضافة إلى تحميله المسؤولية الأولى عن تهميش المسيحيين وإبعادهم عن القرار الرسمي. ولم تنس مجموعة الثلاثة أن تلفت إلى ضرورة إعطاء دور أكبر لمسيحيي 14 آذار حتى لا تظل الأكثرية متهمة بالهيمنة، والمسيحيون فيها بالتبعية، مشددة على أن من شأن هذا التوجه أن ينزع من العماد عون ذريعة قوية لإحراجهم في الأوساط المسيحية، وأن يقوم بدور معاكس على مستوى إضعاف رئيس تكتل الإنقاذ والتغيير الذي يتخذ في هذه الأثناء مواقف غير شعبية مسيحياً.
يبقى السؤال إلى أي مدى أخذت مجموعة الثلاثة على عاتقها إعداد هذه الخطة من دون العودة إلى النائبين سعد الحريري ووليد جنبلاط؟ وهل من إمكان لطرحها قبل الحصول على موافقتهما؟ ذلك أن عوامل نجاح هذه الخطة مرتبطة إلى حد كبير باستعدادات تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي للتجاوب معها والمضي قدماً في تطبيق القرار 1701 من دون الاستجابة لمطلب حزب الله تأليف حكومة وفاق وطني تضم التيار الوطني الحر، وبفتح باب الحوار حول المسائل الخلافية المتعلقة بسلاح الحزب ودوره في لبنان. وهذا يعني أن المواجهة السياسية المؤجلة منذ ما قبل 12 تموز بين حزب الله والقوى المتحالفة معه، محلياً ودولياً، وبين الأكثرية النيابية، والقوى المتحالفة معها محلياً ودولياً، التي استعرت تحت الرماد خلال العدوان الإسرائيلي، ستجد أخيراً ساحتها.