ناصر شرارة
سبقت وصول الأمين العام للأمم المتحدة الى بيروت اتصالات دولية مكثفة، مع رئيسي مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وفؤاد السنيورة، قادت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الجزء الأساسي منها.
ومن الأمور التي ظلت سراً طوال الأسبوع الماضي، اتصال أجرته رايس ببري، لنحو 20 دقيقة. حرصت خلاله على طمأنته الى أن رفع الحصار سيحصل قريباً. لكن وزيرة الخارجية الأميركية، في اتصالاتها الموازية مع مسؤولين لبنانيين آخرين، شددت على أن رفع الحصار متوقف على جدية الإجراءات الأمنية التي ستتخذها الحكومة على المعابر البرية مع سوريا وفي المطار والمرفأوكانت قيادة الجيش أقل حساسية تجاه مطالب رايس، وهي عملياً نفذت الانتشار في الجنوب وفي المنطقة الحدودية اللبنانية السورية، بسرعة، لتسقط المطلب الإسرائيلي ـــ الأميركي حول أن جدواه لجهة قدرته على قمع تهريب السلاح، تحددها المراقبة الدولية له. وتفيد المعلومات أن موقف الجيش كان واضحاً، وهو أنه قادر على القيام بالمهمة التي انتدبته لها الحكومة، وليس معنياً بانتظار وصول القوات الدولية، وهو يتحفظ عن إيحاء ساد الحكومة يرى أن من بين مهمات اليونيفيل مراقبة قدرة الجيش على ضبط الحدود مع سوريا وضبط الأمن في الجنوب.
والموقف نفسه تقريباً، سرّبه بري الى المعنيين أثناء عكوفهم على تأليف اللجنة الأمنية في المطار، إذ اعترض على محاولة إنجازها خلسة، وعلى الاتجاه لتفصيل عديدها من الضباط على قياس رؤية الهواجس الأميركية لها.
وتؤكد المعلومات أن بري فرض إبقاء العميد وفيق شقير في منصبه رئيساً للجنة وتطعيمها بثلاثة ضباط شيعة آخرين، تحت ضغط التساؤل عما إذا كان استبعاد ضباط من لون معين عن اللجنة هو المعيار السائد؟
ويشدد بري، بحسب مصادره، على أن على الدولة عدم الخضوع للتهويل باستمرار الحصار. وهو يرى أن إسرائيل أرادت، منذ مرحلة مبكرة من عدوانها، أن تصطنع أوراقاً داخلية ضاغطة على لبنان، لتحاول من خلالها تحصيل مكاسب سياسية عجزت عن تحقيقها في الحرب. وأولى هذه الأوراق محاولاتها عدم السماح للنازحين بالعودة الى منطقة ما وراء خط الليطاني. لكن العودة السريعة للنازحين الى مناطقهم بالسرعة التي حصلت بها أفشلت هذه الورقة. ويجري حالياً الاستعاضة عنها بالحصار. وينتظر بري أن تكون زيارة أنان لبيروت مناسبة لإسقاط ورقة الحصار، وهو أبلغ رايس بهذا المعنى لدى مهاتفتها له الأسبوع الماضي. وسيكون الخميس المقبل، موعد مهرجان ذكرى تغييب الأمام موسى الصدر، الحد الأقصى الذي لن يسكت بعده لبنان عن الحصار من دون رد فعل. فإذا لم يفكّ الحصار، نتيجة لزيارة أنان، سيدعو بري في خطابه في صور إلى وقف رحلات «ميدل إيست»، تعبيراً عن رفض لبنان الخضوع للإذلال الإسرائيلي الممارس ضده عن طريق تفتيش طائراته في عمان.
وكانت هذه الفكرة، بحسب المصادر نفسها، راودت بري منذ الأسبوع الأول لبدء الحصار، وخصوصاً بعد ما ورده من معلومات عن أن الطائرات القادمة الى لبنان، يسمح لها بالعبور، عبر مطار الأردن، من قبل برج المراقبة الإسرائيلي. وهذا ما أبلغه أمير قطر صراحة للرؤساء الثلاثة خلال زيارته لبيروت الأسبوع الماضي. كما أن أحد وزراء الأكثرية النيابية شكا من أنه اضطر إلى ركن طائرته الخاصة في عمان والمجيء الى لبنان في طائرة أخرى، مراعاة لشروط الحصار الإسرائيلي.
ويلاحظ بري أن وراء الحصار المفروض على لبنان سياسة إخضاع إسرائيلية وأميركية. وهو يرمي الى إشعار الحكومة اللبنانية بنوع من الهيمنة عليها، بغية تطويع إرادتها السياسية. وفي هذا السياق، أتى إطلاق النار على الطائرة التي أقلت موفد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن من لبنان الى إسرائيل. وقد فاتحه بري بهذه الواقعة خلال لقائه الأخير به، موضحاً أن لبنان، الذي لم يناقش تحت ضغط النار، لن يناقش تحت ضغط الحصار. وحاول لارسن الالتفاف على موقف بري، طارحاً عليه فكرة أن يجري النقاش بينهما على أساس خطة البنود السبعة الحكومية، فسأله بري: «إذن عليكم أن تحددوا ماذا تريدون: القرار 1701 أم البنود السبعة؟». فأجاب لارسن: «أريد مناقشة نقطة محددة من البنود السبعة»، فرد بري: « أوافق، شرط أن تقبل بأن أناقشك أيضاً ببند واحد منها، على أن أبدأ أنا أولاً. البند الذي سأطرحه عليك هو المتعلق بمزارع شبعا». و لم يكمل لارسن عرضه لبحث نقطة واحدة من النقاط السبع، وهي بسط سلطة الدولة التي لها معنى واحد عند لارسن، وهو نزع سلاح المقاومة.
أراد لارسن من هذا اللقاء أخذ شيء ما معه لإسرائيل، لكن بري طالبه بشيء ما للبنان. وهنا انتهى النقاش مع لارسن ليبدأ نقاش آخر مع أنان يهدف الى فك الحصار، بحسب ما وعدت رايس «في أسرع وقت ممكن، وإلا سيكون لنا موقف الخميس».