وفيق قانصوه
“ما قبل 12 تموز ليس كما بعده”، هذه العبارة السحرية السائدة في البلد، يتفق عليها كل الأفرقاء. إلاّ أنهم يختلفون حول تفسيراتها. فالعدوان خلّف، الى جانب ضحاياه من المدنيين، ضحية اسمها طاولة الحوار الوطني التي أصيبت إصابة بالغة، ليس معلوماً بعد إمكان تعافيها منها أم إنها ستؤدي بها الى الموت المحتّم.
مصادر الرئيس نبيه بري تؤكد أن لا غنى عن العودة الى الطاولة. وإن كانت تقر بأن هذا الأمر “يحتاج الى بعض الوقت حتى تتبدد أجواء التشنج، وهناك حاجة إلى النظر في جدول الأعمال وخصوصاً بعد التطورات الأخيرة ولا سيما أنّ البند الذي كان عالقاً هو المتعلق بالاستراتيجية الدفاعية. كما تحتاج في الشكل الى تأمين مشاركة كل الأقطاب في الحوار، وخصوصاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله”.
وتؤكد هذه المصادر أن الرئيس بري “على يقين” من أن جلسة 25 تموز الماضي التي أرجئت بسبب العدوان، كان يمكن أن تقود الى «حلول جدية»، إذ إن بري كان يعدّ اقتراحات لحل مسائل حساسة منها التعامل مع قضية استراتيجية الدفاع الوطني.
إعلان نصر الله أنه لن يحضر جلسات الحوار صدّق، بالنسبة لكثيرين، على إعلان وفاة الحوار بعد إعلان العماد ميشال عون أنه لن يجلس مجدداً الى الطاولة.
“الحوار أمر أساس، لكن المانع دون حضور السيد أمني في الدرجة الأولى”بحسب ما يؤكد عضو المكتب السياسي لحزب الله غالب أبو زينب. إلا أنه يضيف: “المانع الثاني أن هناك مشكلة التيار الوطني الحر وضرورة أخذ رؤيته الى الأمور في الاعتبار”.
وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت لم يستغرب عدم العودة الى طاولة الحوار «بعدما تبين لأطراف عدة أنها لم تؤد دورها المطلوب، ولم يُصر الى التزام البنود التي اتفق عليها». ورأى أن دعوة نصر الله الى تأليف حكومة وحدة وطنية «رأي سياسي يحتاج الى تفسير. فهل المقصود إشراك طرف سياسي أم أكثر؟ ومن الذي سيحل محل من؟».
يرد أبو زينب بأن «الركيزة الأساس لاتفاق الطائف الذي طالب الجميع دائماً بتطبيقه هي تأليف حكومة وحدة وطنية، والتيار يمثل شريحة أساسية لا يمكن إغفالها. كانوا في ما يسمونه زمن الوصاية يشكون من أن مسيحيي السلطة لا يمثلون المسيحيين. الأمر نفسه ينطبق على من يمثلون المسيحيين اليوم».
ألا يعدّ ذلك رد جميل لموقف التيار الوطني الحر من الحزب إبان العدوان؟ يجيب أبو زينب: “على من يظنّ ذلك أن يقرأ جيداً التهديدات الإسرائيلية العلنية بقتل نصر الله وقادة الحزب”.
«الحوار كان وسيلة لبلوغ أهداف وطنية، ويعود للرئيس بري تحديد ما إذا كان قد مات”. يقول النائب بطرس حرب. ويضيف: “فلنكن عمليين، البند الذي بقي على جدول أعمال المحاورين، أي سلاح المقاومة، حُسم في القرار 1701 والقرارات التي ستتبعه، وإذا كان الحوار سينعقد فمن أجل إعطاء اللبنانيين هامش إخراج ما يتفق عليه دولياً”.
أما حكومة الاتحاد الوطني «فما من شيء يحول دونها، إلاّ أن استقالة الحكومة الحالية قبل التوافق على شكل حكومة الاتحاد ستكون عملاً انتحارياً» بحسب حرب. ويوضح: «ليس المهم أن نؤلّف حكومة بل أن نتفق على بيانها الوزاري وأهدافها، ونخشى في غياب ذلك أننا نفرّط بحكومة قائمة ونختلف على برنامج الحكومة المقبلة. في الجو القائم حالياً وفي ضوء عزلة رئيس الجمهورية، محلياً ودولياً، يبدو من شبه المستحيل الاتفاق على حكومة اتحاد وطني». أما المخرج من الانسداد الحالي فهو في العودة الى البند الذي لم تستطع طاولة الحوار حله: “انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
رئيس الجمهورية نفسه، المعزول، يدعوه حرب الى “مباشرة حوار بعيد من الأضواء مع القوى السياسية للوصول الى توافق حول سلاح حزب الله (الذي حُسم في القرار 1701 بحسب المذكور أعلاه!)، ودور الجيش والعلاقة مع المجتمع الدولي وآلية اتخاذ القرار في مجلس الوزراء. إذا جرى ذلك، يصبح ضرورياً تأليف حكومة وفاق وطني”.
هذا الكلام “متناقض” بحسب النائب في تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان الذي شدد على أن المطلوب «مواكبة فعّالة بعد الزلزال الأخير، وبالتالي أن يكون النقاش من داخل المؤسسات الدستورية، وليس حول طاولة حوار استنفدت جدول أعمالها». يضيف: «الحوار بالنسبة إلينا مرحلة تحضيرية ـــ وليست تخديرية ـــ لنصل إلى خريطة طريق نطبقها». أما حكومة الوفاق «فليست من أجل إشراك حزب أو تيار إنما من أجل تحصين الوضع الداخلي واحترام منطق الدولة العادلة والمتوازنة كما ينص اتفاق الطائف الذي يطالبون جميعاً بتطبيقه».