يتوارث المجتمع الأرمني، على مدى عقود من الزمن، مشاعر الحقد والكراهية للأتراك لما ارتكبه هؤلاء من مجازر خلال الحرب العالمية الأولى، أدّت إلى تصفية أكثر من مليون مواطن أرمني على أيدي العثمانيين. وتتزايد تلك المشاعر مع استمرار رفض الحكومات التركية المتعاقبة الاعتراف بهذه المجازر
نادر فوز

«التركي قتلنا وهجّرنا»، «التركي سفاح... عمّو»، «بدنا نرجّع حقنا منن»... وعبارات أخرى يتفوه بها المواطنون الأرمن لدى سؤالهم عن الأتراك.
منذ يومين، أعلنت الحكومة التركية مشاركتها في القوة الدولية المعززة في جنوب لبنان، وذلك برقم يتراوح بين ستمئة وألف ومئتي جندي. اعترضت الأحزاب ورؤساء الطوائف الأرمنية على المشاركة التركية في القوة الدولية، وتأتي معظم ردود فعل الشارع الأرمني مشابهة لما أعلنته هذه القيادات من استنكارات ومواقف تتعلق بعدم الاستقرار وزعزعة الأمن والإجماع الوطني... ومنهم من تخطى ذلك معرباً عن استعداده لمواجهة عسكرية!
من المواطنين الأرمن في لبنان من لم يعرف بعد القرار التركي، ففوجئ ثم انفعل. يرفض الأمر مطلقاً، ليعود ويسرد ما قرأه أو تلاه عليه أهله. تانيا كانت تبتاع الملابس من أحد متاجر برج حمود. فوجئت بالأمر واستغربت جهلها للموضوع. «التركي قتلنا وهجّرنا، لازم نعمل شي». كلمة القتل والتهجير رافقت معظم أحاديث الأرمن الذين أعربوا عن استعدادهم للكلام. كأن الموضوع مشابه للبنانيين في جنوب لبنان الذين هجّرتهم وقتلت أهلهم آلة الحرب الإسرائيلية. هذا ما باشر في قوله العم آغوب، الذي يملك محلاً لتصليح الساعات وبيعها. «التركي سفّاح عمّو... حطّها هيدي»، يقول. ثم يبدأ بسرد ما قاله له أبوه منذ زمن. يضع آغوب الأمر بين أيدي الأحزاب الأرمنية التي يعتقد بأنها قادرة على منع الوجود التركي في لبنان. وينهي كلامه قائلاً: «لحقونا لهون!». أما فاشيه، وصديقاه بيار وجاك، فيعربون عن استعدادهم للقيام بتظاهرات لمنع «السفّاحين» من المجيء إلى لبنان. «السفاحين» أخذت بعض الوقت للخروج من فم فاشيه، فلم يعثر على المفردة إلا بعد مشاورات باللغة الأرمنية مع أصدقائه. «التركي متل إسرائيلي، بيقتل ولاد ونسوان، كيف بيرضى لبنان يجي؟»، يتساءل جاك وهو يأكل إحدى السندويشات مقابل مطعم «بيدو». «نحنا ما شاركنا بحرب لبنان، ما كان إلنا فيا شي، بس هيدا الشي بيطالنا دغري»، اكتفى بيار بالتعبير.
السيدة فانيا، لا ترى من جهتها مشكلة في قدوم الأتراك إلى لبنان. «إذا بيضلوا بجنوب ما مشكلة». «يسعدهم ويبعدهم» تقول فانيا، لكنها تعرب عن عدم نسيان الشعب الأرمني لما خلّفته المجازر التركية. «هيدا شي إنساني قبل ما يكون طائفي أو وطني»، تضيف فانيا قبل أن تتابع تبضّعها.
من الشباب الأرمن من هو مستعد لمواجهة «الهجمة التركية الجديدة» بوسائل أعنف. فسام، الذي يبلغ من العمر اثنتين وعشرين سنة، عبّر عن استعداده لمواجهة الأتراك، حتى عسكرياًَ. سام الذي لا ينتمي إلى أي حزب يقول إنّ الذي يدفعه إلى قول ذلك هو الشعور بـ«الذلّ والإهانة»، «بدنا نرجّع حقنا منن».
بين هذا الموقف المتطرف وذاك الإنساني، يعتبر هاروت أنّ ما من قوة قادرة على منع الجيش التركي من المجيء إلى لبنان ما دام هناك قرار دولي وأميركي يسمح للأتراك بالمشاركة في القوة الدولية. «خيّي أميركا بدا تركيا تكون قوية»، يقول هاروت بلهجته العربية المكسّرة. ثم يتحدث عن المصالح التركية في الشرق الأوسط واعتداءاتها على جميع الدول المحيطة بها، فينطلق من مشكلة المياه مع سوريا، إلى الأزمة مع اليونان وإيران. «تركيا إيغال موت ومصالح»، يقول هاروت، ثم ينهي حديثه عبر التذكير بالمجازر التركية في لبنان والدول العربية أيضاً.
في ظل هذا الإجماع الأرمني على عدم القبول بوجود قوات تركية في جنوب لبنان، وعدم تعاطف الحكومة اللبنانية مع هذا الأمر بسبب «العلاقات الطيبة التي تربط لبنان بتركيا، وخاصةً على الصعيد التجاري»، هل يقف لبنان على أبواب أزمة أخرى؟