فراس زبيب

نظر الرجل إلى الناس الذين تجمّعوا حوله، وانتبه الى أنّ قلّة منهم فقط دُعوا إلى العرس. فقط بعض الوجوه يعرفها. وجوه أفراد من عائلته، وأخرى من عائلة عروسه. الباقون، هم ناس لا يعرفهم. أشخاص كانوا يمرون من هنا، في الطريق، رأوا عرساً فانضموا اليه.
العرس لم يكن يشبه الأعراس. وحدها العروس، بثيابها البيضاء وحجابها الأبيض، جعلت المشهد يشبه العرس قليلاً. أو أنها جعلت من ينظر الى المشهد يدرك أنه عرس، من دون أن تكون فيه علامات الأعراس.
الدمار كان صالة العرس. في وسط المربع الأمني في ضاحية بيروت الجنوبية، قرر العريسان أن يحتفلا بعقد قرانهما. هناك، في الحي الذي دمّر أكثر من غيره. وعلى أنقاض بيتهما الذي لم يسكنا فيه، تزوجا.
لم يكن العرس يشبه الأعراس. العروس لم تحمل وروداً، ولم ترمي الورود الى الفتيات غير المتزوجات ليتدافعن إلى التقاطها. لم يجلس المدعوون على كراسٍ حول طاولات مزينة بالألوان، ولم يأكلوا من أطباق بيضاء، مزينة هي أيضاً، ولم يرقصوا على أنغام موسيقى الأفراح. والعريس لم يبدُ خجولاً من عروسه. لم ينظر اليها مبتسماً كأنه يقول لها إن اللحظة التي تحدثا عنها مرات عدة تحدث اليوم أمامهما. لم يقترب منها ليهمس في أذنها كلمات لا يسمعها أحد غيرها.
لم يجلس العريسان على كنبتين ضخمتين ليشاهدا العرس يحدث أمامهما، كأنّه عرس غيرهما، أو كأنّهما يحفظانه في ذاكرتهما للمستقبل. لم يرقص أمامهما المدعوّون، ولم يتعرّف في العرس شاب من عائلة العروس إلى فتاة من عائلة العريس.
العرس لم يكن يشبه الأعراس. لم يكن فيه ألوان، ولا ثياب اشتراها المدعوون من أجل المناسبة، وشعروا فيها بأنّهم مختلفون عن الأيام الأخرى، العادية.
العرس كان احتفالاً بشيء آخر، غير الزواج. كان مناسبة للاحتفال بالمقاومة، وبحزب الله، والنصر الذي لم يخفف من وطأته الدمار الهائل الذي جرى العرس في وسطه. العريس بدا خلال عرسه منشغلاً بشيء آخر، بشيء يثير فيه حماسة أكبر من تلك التي يثيرها فيه ارتباطه بالمرأة التي اختار، منذ أيام ما قبل العدوان.
لم يُلقَ العريس كلمة عن الحب، والحياة الزوجية، ومستقبله الذي لن يكون مثل ماضيه. وقف على مقربة من أنقاض بيته، المهدم بشكل كامل، ابتسم للصحافيين الموجودين في المكان. ألقى كلمة تحدّث فيها عن المقاومة، وعن العدو الصهيوني المنهزم، وعن أميركا وديموقراطيتها التي ليست، بنظره، ديمقراطية فعلاً. ووقفت زوجته بالقرب منه، زميلته في القضية، وليس في الزواج. رفع الموجودون أعلام حزب الله وصور السيد نصر الله وأيديهم...
اختار العريسان ألّا يكونا حدث عرسهما. اختارا أن يكون منزلهما المهدّم مشهد حياتهما الزوجية الأول، فشربا عصيراً بتشابك الأيدي أمامه، كمن يغيظ أحداً بعدم الاكتراث لنفسه.
لم يكن العرس يشبه الأعراس. نسي العريسان أن يفرحا بزواجهما، ونسيا أيضا أن يحزنا على بيتهما المهدم، وضاحيتهما.
كما يافطات النصر التي ملأت شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، ورفعت على أنقاض البيوت التي امتزجت بحجارتها أشياء الناس الذين سكنوا فيها، وماتوا فيها أحياناً، وكما الناس الذين سموا أبناءهم على أسماء الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل، هكذا الزواج في وسط الدمار، مزج بين الشخصي والعام، بين الحياة وغيابها.
لا يعرف هؤلاء الذين يسمون أبناءهم «رعد» أنّ الاسم ليس محصوراً بتلك اللحظة التي يطلقونه فيها. كذلك الذين يتزوّجون أمام بيتهم المدمّر، لا يعرفون أنّهم لا يتحدّون إلا أنفسهم، وأنّهم، حين يشاهدون صور العرس بعد سنوات، لن يجدوا فيها عرساً.
وهم لا يعرفون أنّ الصحافيين يصوّرونهم لغرابتهم، وليس لقوّة لا يراها فيهم غيرهم. ولا يعرفون أيضاً أنّ زواجهم هذا، هكذا، احتفال بالدمار والموت، وليس بالنصر والحياة.