«أطلعت وزير الداخلية على الوقائع فطلب مني العودة ريثما يتم نشر الجيش اللبناني»
تنشر «الأخبار» نص التقرير الذي وضعه
العميد عدنان داوود قائد القوة الأمنية المشتركة في ثكنة مرجعيون، وهو يروي فيه، لوزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت، وقائع ما جرى يوم اقتحام الثكنة من جانب قوات الاحتلال الإسرائيلية. وكان فتفت قد أحال نسخة من التقرير الى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أحاله، بدوره، الى لجنة
الدفاع والأمن البرلمانية.
الساعة 9:30 من تاريخ 10\ 8\ 2006 وصل العدو الإسرائيلي الذي كان قد توغل في الأراضي اللبنانية الى ثكنة مرجعيون وتوقف أحد ضباطه عند المدخل الشرقي للثكنة طالباً من أحد الخفراء الاتصال بي (طبعاً باللغة الانكليزية) ليكلمني، فكلمته وسألته عن مراده فأجاب بأنه يريد أن يكلمني، فقلت له: «ها أنا أكلمك» فأجاب بأنه يريد مقابلتي ليحدثني، فقلت له إنني سأحضر الى مدخل الثكنة وعليه الانتظار.
على الفور، اتصلت بمعالي وزير الداخلية شارحاً له ما حدث، فأشار معاليه بالموافقة على لقائه... اصطحبت معي ضابطين ونزلنا الى مدخل الثكنة الذي يبعد حوالى 200 متر، فإذا برائد من الجيش الإسرائيلي العدو يبادر بأداء التحية قائلاً إن علينا أن نتباحث في شؤون الثكنة وكيفية جعلها خارج العمليات الحربية، لذلك فهو يريد أن يعرف عديد العناصر الموجودة بداخلها وعديد الأسلحة ونوعها، وهل يوجد بداخلها عناصر من حزب الله أم لا، وأن ذلك سيحصل عندما سيحضر قائده.
وبعد خمس دقائق بالتحديد، حضر الى مدخل الثكنة عدد كبير من العناصر مع الآليات، بينهم المقدم الذي عرّف عن نفسه بأنه يدعى «أشعيا» والذي قال إنه من القوات الإسرائيلية المحتلة وسيدخل الثكنة لمعرفة ما سبق أن أعلنه أمامنا الرائد.
دخلت معه مجبراً الى الثكنة حيث ألقى نظرة على المباني وعلى مخازن الأسلحة وفتش في الغرف، ولما سألته عن السبب قال إن لديه أمراً بمعرفة إذا كان بين العناصر أي عنصر لحزب الله أو أي عنصر من عناصرنا يدين بالولاء لحزب الله. وقد أجبته بأن الثكنة تضم عناصر من قوى الأمن الداخلي وعناصر من الجيش اللبناني، وأننا جميعاً نتبع لوزارة الداخلية ولا إمكان لوجود أي عنصر من العناصر المذكورة بيننا.
بعد هذه الإجراءات التي سببت لنا جميعاً الاستياء، والتي بقيت خلالها حذراً خوفاً من وقوع أي حادثة قد تؤدي الى كارثة أكيدة، سألته عن وقت مغادرته الثكنة؟ فأجاب بأنه ينتظر أمراً بذلك. وبعد قليل غادر قائلاً إنه من الممكن أن يعود...
الساعة 16:00 مساءً وبينما كنت مع بعض الضباط في مكتبي، فوجئنا بإطلاق نيران غزيرة داخل الثكنة وبحركة دبابات عنيفة، فخرجت مسرعاً وإذ بي أرى عدداً كبيراً من أفراد جيش العدو الإسرائيلي وآليات ضخمة ودبابات قد دخلت الى باحة الثكنة، فصرخت بأعلى صوتي وبتحدّ كبير: «لماذا هذا؟ على شو هذا العمل؟ فقد تكلمنا مع المقدم «أشعيا» وقد عرف أننا قطعة غير مقاتلة! فلماذا هذا الهجوم بالرصاص والآليات والدبابات؟». على الفور، توجه نحوي ضابط أسمر اللون داكن قائلاً إنه «المقدم محمد» من جيش الدفاع الإسرائيلي، وإن ما جرى مع المقدم «أشعيا» أصبح وراءنا، وأشار الى ضابط برتبة عقيد قائلاً بأنه العقيد «غيل» قائد الحملة العسكرية في مرجعيون، وأن علينا الجلوس للتفاوض سائلاً أين مكتبي؟ عندها دخلوا المكتب من دون شورى أو دستور، وقال إن عليه أن يبلغني قراراً صادراً عن جيش الدفاع الإسرائيلي بتمركزهم داخل الثكنة، وأن علينا نحن البقاء معهم بداخلها. فأجبته على الفور بأن هذا الأمر مستحيل لأنهم أعداء بالنسبة إلينا ولا يمكن أن نكون في ثكنة واحدة. فسارع الى القول إن هناك تجارب سابقة، منها تجربة «سعد حداد» وتجربة «أنطوان لحد». فبادرته بأنني «عدنان داوود» ولست بـ«أنطوان لحد» أو بـ«سعد حداد» وهذا غير ممكن بالنسبة إلي بل مستحيل! ولديّ رؤساء أبلغهم بالأمر. فسألني من يكون رئيسي؟ فقلت له إنه الدكتور فتفت وزير الداخلية، فصرخ بأن الوزير فتفت من حزب الله! فأجبته بسخرية: «ما شاء الله على معلوماتكم؟»، عندها قال إن الرئيس «السنيورة» هو رئيس جيد. وبالفعل اتصلت بمعالي وزير الداخلية الذي طلب مني التريث معهم وإلهاءهم خمس عشرة دقيقة لإجراء الاتصالات. بعد خمس عشرة دقيقة، اتصل معالي وزير الداخلية بي قائلاً بأن الرئيس «السنيورة» اتصل بالسفير الأميركي في بيروت الذي بدوره اتصل بالسفير الأميركي في إسرائيل والذي بدوره أيضاً اتصل بوزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال له بأن هذا الأمر غير صحيح وعليّ إبلاغهم بذلك!
شرحت لهما ما قاله معالي الوزير، فأجابا بالنفي وبأن عليهما أن يتلقّيا أمراً بذلك من رؤسائهم وليس لديهم الوقت الكافي للكلام، ومنعوني من متابعة الحديث طالبين أن أرشدهم الى مباني الثكنة ومخازن الأسلحة. فقمنا جميعاً الى ساحة الثكنة حيث طلبا أن يُجمع السلاح في مخزن واحد وأن يسلّم إليهم المفتاح وأن يُخلى أحد المباني الذي أشار إليه ليكون مقراً لهم، وهو المبنى الموجود فيه مستودع السلاح. فعلنا ذلك ثم عدنا الى المكتب مع بعض الضباط حيث لحقني المقدم «محمد» المذكور سائلاً عن قراري؟ فأجبته بأن قرارنا الخروج نحن أو هم من داخل الثكنة. عندها خرج وأمر بإغلاق الأبواب علينا ووضع حرساً من عنصرين على كل باب مانعاً أياً منا من الخروج.
اتصلت بمعالي الوزير وأخبرته بما حصل، فكان جوابه «إنكم أصبحتم أسرى حرب»، وأنه سيجري اتصالات بهذا الشأن، كل هذا ترافق مع سقوط بعض القذائف الصاروخية داخل الثكنة.
لقد تم حجزنا مع خمسة ضباط وحوالى عشرة عناصر في مبنى قيادة القوة الأمنية، وهو عبارة عن طابق واحد مؤلف من عدة غرف سقفه عشرة سنتم معرض للسقوط عند تعرض الثكنة لأية قذيفة، وقد تم حجز العناصر وباقي الضباط في بنايات معدة لهم مؤلفة من طابقين اثنين وهي مدرأة بأكياس من الرمل لمنع الشظايا فقط ولا تحمي من قصف الطيران ولا من القصف المدفعي.
اتصلت بالعميد عبد الرحمن شحيلتي نائب مديرية المخابرات في الجيش اللبناني، وأبلغته بالوضع وخاصة ان من عناصر القوة ضباطاً وعناصر من الجيش، فأبلغني بأنه سيطلع مدير المخابرات وسيتصل بحزب الله ليطلب عدم التعرض للثكنة بالقصف لكي لا نقع ضحية هذا الفخ الإسرائيلي، كما أجريت بعض الاتصالات لهذا الغرض.
اتصل بي معالي الوزير عدة مرات للاطمئنان، كان آخرها الساعة الخامسة والنصف صباحاً ليخبرني بأن ضابطاً من اليونيفيل سيحضر ليعمل على إخلائنا وهكذا حصل حيث فتحت بعد ساعة تقريباً الأبواب حيث دخل الضباط الإسرائيليون وضابطان من الكتيبة الهندية وكانت مشادة كلامية بيني وبين الإسرائيليين كرر كل منا موقفه بحضور الضباط المحتجزين وضباط اليونيفيل وكان جواب أحد الضباط الإسرائيليين خلال تلك المشادة أن ليس علينا أن نستغرب فهم جيش احتلال وأننا تحت الاحتلال وعلينا القيام بما يُطلب إلينا قسراً وإلا تعرضنا للأذية.
طلب إلينا إحضار الشاي فرفضت في البداية ثم رضخت بناءً على طلب اليونيفيل، وقد قال لي أحدهم «إياك أن تسمّم لنا في الشاي» فأجبته «يا ريت قادر» عندها قال العقيد الإسرائيلي إن علينا الانتظار بعض الوقت لتلقي أمر من قيادته إما بمغادرتهم الثكنة أو بمغادرتنا نحن. وما هي إلا دقائق معدودة حتى أعلمنا بأن هناك موافقة بمغادرتنا مع ضباط اليونيفيل في طريق أعدّت ليلاً بين اليونيفيل والإسرائيليين وقد أبلغت مديرية المخابرات بذلك. وقد وضع لنا هذا العقيد خطة للإجلاء تقضي بأن يبرز كل عنصر من عناصرنا بطاقة هويته قبل صعودنا الى المركبة المعدة له لمعرفة ما إذا كان بيننا عناصر من حزب الله، وهكذا حصل بعد أن منعنا من أخذ أمتعتنا الأميرية وخاصة السلاح الذي طلب ضابط اليونيفيل أن ينقله بآلياته فرفضوا قائلين له عليك أن تأتي مرة أخرى وتأخذه.
خرجنا من الثكنة بآلياتنا الصالحة تاركين الآليات المعطلة وأقفلت الأبواب وراءنا حيث وجدنا أن سكان المنطقة بانتظارنا على الطريق العام وهم من بلدة القليعة ومرجعيون وبعض المهجرين، وقد أصبح عددهم خمسة آلاف مواطن يريدون جميعاً مرافقتنا رافضين البقاء، وقد أصرّ معالي الوزير عليّ اصطحاب مَن يرغب منهم.
أثناء إعداد العدة للرحيل أبلني الصليب الأحمر الدولي بأن الطريق قد قصفت وانقطعت في منطقة برغز وهي ضمن خطة السير، اتصلت بمعالي الوزير وأعلمته واتصلت بالعميد «شحيتلي» نائب مدير المخابرات، الذي كان يقوم عادة بتنسيق عملنا مع اليونيفيل بعدما كنت أنسق شخصياً قبل أن تتعطل الخطوط الهاتفية والفاكس في منطقة عملنا، وحاولنا جاهدين جميعاً إصلاح الطريق بأية وسيلة وقد فشلنا حيث لم تستطع اليونيفيل إحضار جرافة ولم يسمحوا لنا بإحضار جرافة خاصة ولكننا عرفنا أن هناك طريقاً ترابية محاذية للطريق المقطوعة فاتصلنا بالعميد شحيلتي الذي اعلمناه بالامر الا اننا فوجئنا بانسحاب قوات اليونيفيل لان المهمة قد ألغيت فعمل العميد شحيتلي على الاستحصال على موافقة من الاسرائيليين عبر اليونيفل دون مرافقتهم التي كانت اصلاً ستحصل من مرجعيون حتى حاصبيا فقط وما هي الا دقائق حتى ابلغني العميد شحيتلي بأن ضوءاً اخضر قد اعطي وبأنه صار بإمكاننا التحرك مع المدنيين، وقد بلغ عدد سياراتهم الفاً وثلاثمئة سيارة وان خطة السير هي ذاتها من مرجعيون حتى بيروت وانه في كل منطقة سيوافيني ضابط معلومات من المخابرات ليرافقنا ضمن منطقة عمله حتى بيروت، وهكذا تم الانتقال على بركة الله حتى كفريا حيث اصيب الموكب بتسع قذائف من طائرة M.K.
لقد استهدفت القصف مقدمة الموكب وقد كنت بسيارتي في طليعته ومعي في السيارة المقدم عبد الله ماروني ضابط مخابرات الجيش في مرجعيون والنقيب ايلي الديك ضابط مخابرات الجيش في حاصبيا.
اصيب القيد فارس المتيني وهو واقف بقربي كما احترقت سيارة رينو كانت خلفي بقذيفة اخرى ثم قذيفة اخرى على يمين الجيب ادت الى اصابة عنصر في الصليب الاحمر مما يدل على انني كنت مستهدفاً، كما استهدفت الطائرات المواكب بتسع قذائف صاروخية، وبالرغم من ذلك اتصلت بالعميد شحيلتي طالباً اليه الاتصال بالجنرال بلغريني لإبلاغه بأننا نتعرض للقصف، فأجابني بأن الجنرال بلغريني ادعى اننا خرجنا عن المسلك المحدد ولما تأكد أننا لم نخرج عن المسلك ادعى ان المسيرة اخذت وقتاً طويلاً للوصول الى كفريا، كل هذا حصل بدقائق قليلة واخبرني بأن القصف قد توقف، عندها شاهدت احدى السيدات الجرحى فأخذتها على زندي واتجهت بسيارة غير سيارتي الى مستشفى حامد فرحات في كامد اللوز حيث قضيت الليل بأكمله أعتني بالجرحى وإحصائهم، وقد بلغ عدد القتلى ستة والجرحى حوالى أربعين وقد ابلغت معالي وزير الداخلية بالحادث عبر المقدم عماد عثمان.
تجولت ليلاً بين كامد اللوز وجب جنين لأعرف مصير المواطنين الذين كانوا في القافلة، وبقيت لليوم التالي في المنطقة حتى الساعة الرابعة عشرة حيث تأكدت من سلامة الجميع وأنهم غادروا المكان على همتهم كما تأكدت من سلامة عناصر المجموعة والآليات.
بتاريخ 14/8/2006 صباحاً تقدمت من معالي وزير الداخلية وأطلعته باختصار على ما حدث واعداً بوضع تقرير بالوقائع، وطلب اليّ معاليه الانتقال الى منطقة مرجعيون للاطلاع على اوضاع الاهالي هناك والحضور بشكل دائم ريثما يتم نشر الجيش اللبناني.



الـ 24 ساعة الأخيرة
لقد كانت احداث الاربع والعشرين ساعة الاخيرة من وجودنا في ثكنة مرجعيون، وقد كانت مليئة بالاحداث المكثفة والجسيمة وكان علينا ان نجتازها بهدوء وروية ولا سيما ان هدفنا الاساسي وواجبنا اخراج 350 عنصراً بسلام آمنين ومن بينهم عناصر من طائفة معينة ولهم انتماءات لحزب الله ويدينون بالولاء له، وهذا ليس بخاف على احد، وكان علينا ان نخرجهم ولو اضطررنا الى القيام ببعض الامور والتغاضي عن بعضها الآخر، وقد استطعت القيام بذلك دون ان يصاب احد بمكروه، علماً بأن مهمة القوى الامنية المشتركة لم تكن مهمة قتالية بل كانت منذ انشائها مهمة لحفظ الامن والنظام وتأمين السلامة العامة وقد اصبحت مهمتها اثناء شهر الحرب مهمة انسانية خدماتية لتأمين المواد الغذائية والطبية وإخلاء المصابين ورفع الانقاض.