ناصر شرارة
بعد 28 سنة، لا تزال قضية تغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، محل محاولات ليبية متكررة للتهرب من المسؤولية عنها. وكانت آخر محاولة على هذا الصعيد استحصال ليبيا على حكم في ايطاليا بأن الصدر ورفيقيه دخلا فعلاً الاراضي الايطالية قادمين من طرابلس الغرب. وبحسب مصادر مطلعة، فقد رُتّب حصول ليبيا على الحكم في صفقة بين شخصية امنية ليبية كبيرة ومافيا ايطالية واسعة النفوذ تعهدت اصدار هذا الحكم، لقاء تقديم عطاءات نفطية لها.
وقامت ليبيا قبل هذا الحكم، الذي تنوي عائلة الصدر ورئيس مجلس النواب نبيه بري الاستئناف ضده، بمحاولات عدة لطي هذا الملف في مقابل صفقات عرضتها على اللبنانيين المعنيين بهذه القضية، تمثلت احداها بعرض ليبيا تسوية - صفقة على عائلة الصدر، حملتها شخصية لبنانية كبيرة. تضمنت تقديم طرابلس، في مقابل اقفال هذا الملف، التزاماً ادبياً ومعنوياً تجاه عائلات الصدر ومرافقيه، ومنح اللبنانيين، خصوصاً الشيعة، تسهيلات للعمل في ليبيا.
وحمّل الليبيون وسيطهم رواية عن اغتيال الصدر هدفها ابعاد الشبهة عنهم، تضمنت ايحاء قوياً بأن الرئيس الراحل ياسر عرفات نفذ هذه الجريمة بالتواطؤ مع الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد، وزعمت هذه الرواية ان عرفات وبن جديد ورّطا مسؤولاً مهماً في الجهاز الامني الليبي لينفذ العملية لحسابهما. واللافت ان هذا المسؤول الامني المزعوم قتل في ظروف غامضة في ليبيا بعد سنوات قليلة من تغييب الصدر ورفيقيه.
ولم تلق هذه الرواية اذاناً صاغية في لبنان، خصوصاً ان مسؤول الامن العسكري، في الجزائر انذاك، الحاج محمد طاهر، الذي غمزت الرواية الليبية من قناته كمخطط لاغتيال الصدر، كان صديقاً حميماً للاخير، وعلى صلة بحركة «أمل»، ونظّم دورات تدريب عسكرية للكثير من كوادرها.
وفي عام 2004، جرت محاولة ليبية اخرى أكثر جدية في هذا الاتجاه، فو صل الى بيروت وفد ليبي أرسله الزعيم الليبي معمر القذافي، وقابل شخصيات لبنانية، نصحت جميعاً بأن تلجأ طرابلس لحل هذه القضية الى الرئيس الايراني آنذاك محمد خاتمي. وبالفعل قصد الوفد خاتمي في طهران، فوعد بالمساعدة شرط ان يتبين في نهاية المطاف ان ليبيا غير متورطة بالجريمة. وكلف الرئيس السابق نائبه السيد محمد ابطحي الذي يعرف لبنان جيداً متابعة هذا الملف. واستعجل الليبيون عرض مضمون تسويتهم التي تضمنت الآتي: تقديم تعويض مالي كبير لعائلة الصدر، وتمويل مؤسسات تابعة لها. وبناء معامل انتاجية صناعية بطاقات كبيرة في جنوب لبنان. وانشاء مؤسسة خيرية تقدم خدمات شاملة لحالات اجتماعية شيعية. وتقديم خمسين الف تأشيرة للبنانيين للعمل في ليبيا، نصفها لمواطنين شيعة. والاهم من كل ذلك التعهد باصدار ليبيا اعلاناً تتعهد فيه تحمل المسؤولية المعنوية والادبية والمادية عن هذه القضية.
وتفيد المعلومات ان ليبيا كانت قد وضعت سيناريو لاعلانه في حال نجحت هذه التسوية، تعلن طرابلس الغرب بموجبه انها في صدد هدم مبنى الامن المركزي في العاصمة، ليتم اعلان اكتشاف جثث الصدر ورفيقيه بين ركام المبنى بعد اجراء فحص الحمض النووي لرفاتهم. وليصار في الوقت نفسه الى تحميل المسؤول الامني الذي قتل في ظروف غامضة مسؤولية الجريمة.
الا أن هذه المحاولة الليبية الاخيرة جبهت بالرفض، اذ اصرت عائلة الصدر والمعنيون اللبنانيون بهذا القضية على كشف الحقيقة كما هي ومعاقبة الفاعلين.