ليست البطالة «عاطلة» دائماً. فعلى مساوئها الكثيرة، إلا أنها تحمل أيضاً بعضاً من الإيجابية. فقد أسهم تدنّي فرص العمل... وشحّها في مجالات كثيرة، في إعادة الناس إلى أرضهم والاهتمام بها عبر تعزيز الزراعات المحلية التي انقطعوا عنها طويلاً. وما يعزّز هذه العودة أيضاً تركيز المجالس البلدية في برامجها على الاهتمام بزراعة الأشجار المثمرة وتربية الحيوانات الداجنة. فبعدما كاد الاهتمام بتربية الحيوانات الداجنة، من الأبقار والأغنام والدجاج، يصبح شبه معدوم في السنوات الأخيرة الماضية، عاد الكثيرون من الأهالي، لا سيما من لا «يتقنون» الزراعة، إلى استثمار ما يملكون من مال في تربيتها.
هكذا أنشأوا المزارع الصغيرة والكبيرة، كما حصل في عدد من القرى والبلدات، حتى ذهب حسين أشمر (رب ثلاثين) إلى حدّ القول إن «تربية الماشية والزراعة المنزلية هما اليوم الشغل الشاغل لأكثر المقيمين الذين لا يجدون فرص عمل كافية لتأمين حاجاتهم الأساسية».
5 مزارع جديدة في بلدة شقرا لتربية الدواجن أنشأها عدد من المستثمرين الصغار الجدد، وهي اليوم محطّ اهتمام الأهالي والبلدية، نظراً إلى الفائدة التي قد تنجم عنها في تحريك العجلة الاقتصادية المحلية، وتأمين بعض مستلزمات المعيشة. يقول رئيس البلدية رضا عاشور إن «زيادة الاهتمام بالزراعة وتربية الماشية ناجم عن تراجع الأوضاع الاقتصادية وتراجع الحركة التجارية، واللافت أن تربية الدواجن تحقق دخلاً جيداً للمستثمرين، إلى جانب أعمالهم الأخرى، لكنها في الوقت نفسه تحتاج الى خبرة ورعاية دائمة، خصوصاً على صعيد التدفئة والتبريد وتأمين الأعلاف». ويلفت عاشور إلى أن هذه المشكلة «محلولة بعض الشيء، إذ إن وزارة الزراعة تؤمن جزءاً من العلف المجاني لمربّي الأبقار». ثمة ما هو «مثير» للاهتمام في تلك المنطقة، وهو توجّه المزارعين نحو زراعة الأشجار المثمرة. وهنا، «تساعد» البلدية سنوياً في تشجير حوالى 2000 شجرة، إضافة إلى توزيع مئات الأشجار المثمرة على الأهالي ومراقبة الاهتمام بها، «وذلك في إطار العمل على تشجيع المزارعين على الزراعة البديلة». وفي إطار التشجيع أيضاً، «تنظّم البلدية ندوات زراعية متخصصة وتؤمن الأدوية والمبيدات اللازمة».
من جانب آخر، يقول رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين إن «الأهالي باتوا مقتنعين بضرورة تأمين الاكتفاء الذاتي المنزلي من زراعة الخضر والحبوب وغيرها، بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية». ولهذين السببين «أقمنا 16 ندوة متخصصة في زراعة الزيتون وغيره، شارك فيها، وللمرة الأولى، أكثر من 670 مواطناً من قرى الاتحاد، كما عمل الاتحاد على الاهتمام بعدد من كروم الزيتون، من خلال تشحيلها وتسميدها وقطفها لاحقاً، ضمن الشروط المطلوبة، لكي يكون هذا الأسلوب مثالاً يقتدي به المزارعون». والأمر عينه بالنسبة إلى حقول الصعتر البرّي، فقد أشار الزين إلى أن «عدداً لافتاً من حقول الصعتر حقق إنتاجاً مميزاً بعد الرعاية والاهتمام اللذين قام بهما الاتحاد».
وللنحل أيضاً حصته، إذ وزّع الاتحاد أخيراً 110 قفران نحل على المزارعين في المنطقة، وساهم في تأمين الأدوية والتلقيح في فترات مختلفة. ولعام 2013، أطلق «مشروع الدجاج البيّاض، بالتعاون مع الأهالي، حيث سيدفع الاتحاد حوالى نصف الثمن المتعلق بشراء الدجاج، وعلى المزارع تأمين التجهيزات المطلوبة لتربيته».
لا يتوقف الأمر هنا. ففيما عاد الناس إلى أرضهم، من المفترض أن تكون العودة شاملة لكل أنواع الزراعات، ومنها القمح الذي يعدّ المنتج الأساسي للكثير من المزارعين.
هكذا، عادت الزراعة الشغل الشاغل للفقراء الذين لا يجدون مصدر دخل آخر. هذه العودة أسهمت في إغناء الأرض بالأشجار «حيث تضاعف عددها هذا العام، وخصوصاً أشجار الزيتون والخروب والكرمة والكرز». وهنا، يلفت المزارع محمد فوعاني (حولا) إلى أن «عدد المزارعين ازداد هذا العام عن الأعوام الماضية في بلدتنا، وقد توجه جزء كبير منهم نحو تربية الماشية، بعدما تشجعوا بتوافر كل الإمكانات لهم، ومنها إنشاء معمل للأجبان والألبان من شأنه تصريف الإنتاج وتصنيعه، كما حصل في بلدة عيترون التي احتل معملها المرتبة الثانية في لبنان، وسمح بزيادة أعداد المهتمين بتربية الأبقار والأغنام».
وعلى الندوات الزراعية طرأ تحسّن أيضاً، إذ صارت المشاركة فيها «أوسع»، يقول الزين. والدليل؟ أن «الدورات التدريبية التي أقامها الاتحاد في المنطقة جلبت 800 شاب وصبية». وهذا عدد رائع سيفعل فعله في السنوات اللاحقة إذا استمر التشجيع.