يوماً ما، سيكتشف سكان اللبوة أن بلدتهم هي «من أوائل القرى في لبنان». هذا ما ستظهره عملية التنقيب التي يقوم بها فريق من الجامعة اليسوعية في التل الأثري الصغير الموجود هناك، والتي ستساهم بشكل فعال في شرح بدء فترة الاستيطان في لبنان. وفي هذا الإطار، تغوص الدكتورة مايا بستاني، مديرة الحفريات في شرح تفاصيل الموقع «الذي يعود الى سنة 1962، حينما بدأ العمل لإقامة الطريق الدولية في المنطقة، وتم العثور على بيوت مستطيلة وقطع فخارية مصنوعة من الكلس الأبيض، ولكنه أهمل في وقتها ولم تتم دراسة مكتشفاته بشكل مفصل رغم أهميتها». بعد كل هذه السنوات، حمل فريق الجامعة اليسوعية العامل في متحف ما قبل التاريخ عدّته عام 2011، عائداً إلى الموقع لدراسته «فبدأت عملية تنظيف الموقع من الحشائش التي نبتت عليه خلال السنين الأخيرة وإزالة النفايات التي كانت ترمى هناك». وبعدها، عمل الفريق على تنظيف واجهة الموقع التي يصل طولها إلى 47 متراً. وبرزت معهم المعالم الأثرية على عمق 30 سنتيمتراً من سطح التل الأثري. أو بحسب بستاني، فإن الآثار المكتشفة في الموقع ليست ضخمة، لأنها تعود إلى فترة الاستيطان لإنسان ما قبل التاريخ، وهي «بالطبع لا تحوي أي نوع من المعادن، لأنها لم تكن مكتشفة في حينها». ولكن تكمن أهميتها في دراستها التي ستظهر كيف سكن إنسان العصور الأولى في سهل البقاع؟ كيف شيّد بيوته؟ وكيف صنع أدواته؟ وما إذا كانت لهذا الإنسان أية علاقة بجواره؟ وفي التفاصيل أيضاً، تشرح بستاني أن «أقدم ما عثر عليه العلماء في الموقع يعود إلى ما يقارب 8100 سنة، وقد تم اكتشاف 9 بيوت مستطيلة الشكل، وهذا يعني أن اللبوة كانت قرية مأهولة، وسكانها كانوا يخلطون التراب والكلس والحجارة، وفي بعض الأحيان الطين لبناء جدران منازلهم، فقد كانت تلك الجدران مطلية بالكلس الملون، فيما الأرضية ملونة بالأسود والأحمر». كما قام الفريق بدراسة جيو ـــ فيزيائية للموقع لتحديد مكان البيوت التي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ والتي لا تزال دفينة في الأرض. وقد تم العثور على مقابر لسكان هذه القرية، لكنها كانت فارغة من أية محتويات قد تفسر علاقة هؤلاء الأشخاص بالموت والدين. ومن المكتشفات أيضاً «عدد من اللقى الأثرية التي تعطي نظرة شاملة عن هذا الموقع، حيث كانت هناك قطع من الحجارة الصوانية وأخرى فخارية وزجاج بركاني أسود وقطع صوانية محفورة بالصخر الأخضر، وهذه المواد غير معروفة أو موجودة في البقاع إنما يؤتى بها من جبال تركيا وشمال سوريا». فهل العثور عليها يعني أن سكان هذه القرية كانوا على تواصل مع المنطقة قبل 8000 سنة؟ تجيب الدكتورة بستاني بأن الدراسات المخبرية المجهرية التي يتم الآن العمل عليها ستعطي إجابات مؤكدة على هذه الأسئلة، كما ستعيد دراسات التربة تكوين الحياة النباتية والحيوانية في الموقع كما كانت وقت إنشاء القرية.