أمس، انتهت أعمال المؤتمر الدولي السابع  للآثار (WAC 7)، الذي حلّ هذا العام في الأردن. ففي منطقة البحر الميت، وتحديداً في مركز الحسين للمؤتمرات، اجتمع أكثر من1200  عالم آثار وأنثروبولوجيا وشعوب الدول الأصيلة، مشاركين في أكثر من 100 جلسة محاضرات وورشات عمل. وقد أتوا من 70 دولة كانت في معظمها من عالم الجنوب، لأن المؤتمر يهتم بشكل خاص بدول ذلك العالم. فمن النيبال وسيريلنكا ونيجيريا إلى النروج وأستراليا وبريطانيا وأميركا، جلس أهل الاختصاص جنباً إلى جنب للمشاركة في نقاش دولي يتمحور حول عملهم واكتشافاتهم والمشاكل التي يعانون منها والحلول التي يقدمونها. ما افتقده المؤتمر هو الحضور العربي الذي كان خجولاً جداً إلى درجة مخزية.
وقبل الدخول في تفاصيل هذا الغياب، يتحدث الدكتور طلال عكاشة، المسؤول المعني بتنظيم المؤتمر، عن تفاصيل تنظيم المؤتمر، فيشير إلى أن «العمل على تنظيم المؤتمر كان قد بدأ قبل أربع سنوات، ولكن تنظيمه الفعلي تطلب حوالى 14 شهراً من العمل، وتدفع فيه الأردن 25% من التكلفة». أما كيف وقع الخيار على البحر الميت؟ يقول عكاشة إن «سبب اختيار البحر الميت هو الطقس الثابت حتى خلال فصل الشتاء، ولكون قصر المؤتمرات مجهّزاً ومؤهلاً لاستيعاب أكثر من 2000 شخص في آن واحد». هذه التسهيلات اللوجستية سمحت للأردن بأن يكون في خانة الدول المتقدمة. من جهتها، تقول كلير سميث، رئيسة جمعية المؤتمر الدولي للآثار، إن «الهم الأكبر لمؤتمر هذه السنة كان في ضمان وصول المعلومات التي تناقلها المشاركون في الأردن إلى العالم، ولذلك تم تأمين النقل المباشر عبر شبكة الإنترنت، وهذه هي المرة الأولى في العالم التي يتم خلالها بث مؤتمر علمي على الشبكة العنكبوتية مباشرة، كما تم تسجيل هذه المحاضرات التي ستبقى على الإنترنت لسنة كاملة من دون أيّ أعباء مادية للمتابعين لها». وعدا عن تلك التسهيلات، فقد قدم المؤتمر وبعض الجمعيات التي تعنى بالآثار، دعماً مادياً للمشاركين من دول عالم الجنوب أو الشعوب الأصلية الذين لا يسمح لهم دخلهم بدفع تكاليف السفر، وقد ساهم هذا الأمر في تفعيل المشاركة وتبادل الخبرات في المؤتمر. ومن «الحسنات» أيضاً مشاركة حوالى 70 طالباً من مختلف دول العالم، أتوا إلى الأردن «متطوعين» ومساهمين بشكل فعال في المؤتمر.
ولعل أحد أهم الأهداف الأساسية لتنظيم المؤتمر في الأردن هو نشر «خبرٍ عنه» في العالم العربي. ولكن، مع الأسف، لم يصل المؤتمر إلى مبتغاه. فعلماء العالم العربي القلائل الذين شاركوا في المؤتمر، والذين لم يتعدّ عددهم الأربعين، لم يأتوا يوماً إلى المحاضرات بزخم. وكان يمكن أن يكون عددهم أقل من ذلك، لولا وجود موظفي دائرة الآثار في الأردن. يقول الدكتور عكاشة إنه لم يستطع «تحديد سبب عدم مشاركة العلماء العرب»، مؤكداً أنه «لو كان الأمر يتعلق باللغة، لكنا عملنا على تأمين ترجمة فورية، ولكن لم يتقدم أحد منا بطلب ذلك». وفي هذا الإطار، تفاوت عدد العرب المشاركين الذين دخلوا القاعات بمبادرة فردية، وغابت كل التمثيلات الرسمية. وقد كان عدد اللبنانيين 3، يضاف إليهم 4 من مصر وواحد ليبي و14 فلسطينياً، فيما العدد الأكبر من العرب كان من الأردن البلد المستضيف للمؤتمر. وقد قدمت لهم اللجنة المنظمة جلستين خاصتين بالأردن. ويقول عكاشة إن «الأردن كانت مهتمة جداً باستقبال المؤتمر ودعمه، لأن سياحة المؤتمرات هي جزء من المخطط السياحي الإنمائي الموضوع للأردن. فالمؤتمرات تبرزها على الساحة العالمية كبلد مضياف ومتطور وقادر على رفع التحديات، كما تدعم هذه المؤتمرات قطاع السياحة، فهي تسهم أيضاً في تفعيل تبادل الخبرات الأثرية العلمية». ولإبراز هذا الاهتمام، افتتح الأمير الحسن بن طلال المؤتمر، منتدباً عن الملك عبدالله الثاني. وكان الأمير قد أكد في كلمته الافتتاحية، الاثنين الماضي، أن «اللقاء يعكس الاهتمام بالإرث الإنساني بما يضمه هذا المؤتمر من تنوع معرفي وثقافي يؤكد العلاقة بين الاستدامة والكرامة الانسانية». وفي إطار أهمية الحفاظ على الإرث الإنساني، حذّر بن طلال من استهداف «المواقع الأثرية والمتاحف التي تؤرّخ لحضارات عريقة شكلت في مجموعها الإرث الإنساني، ومن الخطر المترتّب على تجاهل القيم الإنسانية»، داعياً «العالم بكل مكوناته إلى حماية هذا الإرث وصونه من أي عبث».
تجدر الإشارة إلى أن المؤتمر العالمي للآثار هو منظمة غير حكومية تأسست عام 1985، بهدف نقاش المسائل التي تعنى بدراسة الماضي من آثار وعلم تطور الفكر البشري والمحافظة على تاريخ وتراث الشعوب الأصلية والطرق المتبعة للتدريب المهني وتعليم علم الآثار، كذلك العلاقة بين علم الآثار والسياسة. وهو المؤتمر الوحيد في عالم الآثار. ويعدّ بمثابة خطوة إلى الامام لتطوير العلم والدفع به باتجاه التطوير والتوافق بين الدراسات المعمقة والتواصل مع الجمهور. لذا، فالمنشورات العلمية التي تنشرها اللجان العلمية للمؤتمر تعتبر من الأهم في العالم، ومنها الأكاديمي البحت المتمثل في مجموعة One World Archaeology Series، وهناك المجلة السنوية Archaeologies، لدعم القراءة للطلاب في سنواتهم الأولى هناك.