«ليأتِ ضرّاب الطبل رئيساً للبلدية، خير ألف مرة من أن تكون البلدة والبلدية جزءاً من المهمات الإدارية للقائمّقام. ليس لدينا أي اعتراض عليه، سوى أنه ليس من أبناء البلدة، على قاعدة أن أهل مكة أدرى بشعابها، ولن يخدم أحد إبل السقي وأهلها مثل أبنائها». هذه هي الخلاصة التي يعبر فيها الشيخ فارس غبار عن وضع إبل السقي في ظلّ غياب البلدية عنها. أمين الصندوق السابق في بلديتي إبل السقي والخيام يرى أن بلدته عادت عشرين عاماً إلى الوراء بسبب غياب البلدية عنها: «البلدة تحتاج إلى جملة من المشاريع الإنمائية، والقائمّقام لديه أشغاله الكثيرة ولن يتفرّغ لبلدتنا فقط، هو يعمل وفق ما يبلّغه إياه موظفان في البلدية، وما يقدم من خدمات ليس على قدر احتياجات الناس» يقول.
أكثر الاحتياجات الملحّة في إبل السقي، بنظر غبار والعديد من أبناء البلدة، هو موضوع «الجور الصحية» التي بدأت مياهها الآسنة تتسرّب إلى الطرقات وتغرق الحقول المجاورة، ما جعل أصحابها يتكبّدون مبالغ طائلة للتخلّص منها ونقلها من الحقول المجاورة إلى حقول بعيدة نوعاً ما عن وسط البلدة. وهذا ليس حلاً؛ «لأنه يقوم على قاعدة نقل الضرر من مكان إلى مكان»، يقول غبار، موضحاً أن البلدية «كانت تتحمل في السابق الجزء الأكبر من هذه المهمة، لكن اليوم صار الأمر عشوائياً، وهناك منطقة تعرف بالوطى، صارت مرتعاً للمياه الآسنة، وليس من حسيب أو رقيب».
يقطن في إبل السقي اليوم نحو ألفي نسمة من أصل أكثر من أربعة آلاف نسمة. وتتولى البلدية التي يديرها القائمقام موضوع نفاياتهم من خلال عاملين اثنين، لكن أمورهم المالية أو الإدارية تشرف عليها أمينة الصندوق فداء قرضاب المتزوجة بأحد أبناء البلدة. أما أمور الشرطة بأكملها، فقد أنيطت بشرطي البلدية الوحيد عمار عاصي. في المقابل، «نُفّذ مشروع كبير في إبل السقي، للأرصفة وبعض جدران الدعم، كلّف الملايين من الليرات، كأن البلدة لم يعد ينقصها غير هذا المشروع، فيما هي تغرق بالمياه الآسنة»، بحسب تأكيد الياس اللقيس عضو المجلس البلدي السابق، الذي يوضح أن «اعتراضنا ليس على المشروع فحسب، بل على الطريقة التي نفذ فيها، وتحت رقابة من؟ فهو فضلاً عن أنه ليس من الأولويات، فقد ضيّق مدخل البلدة قرب أحد منتجعاتها السياحية التي تغص صيفاً بالسيارات».
ويؤكد غبار أن إعلاناً واضحاً عن المشروع في الصحف أو ضمن الأطر القانونية «لم يحصل، مع وجوب إجراء مناقصة عمومية واستدراج عروض لم تسبق هذا المشروع الذي يتردّد أنه كلّف نحو 104 ملايين ليرة لبنانية بين أرصفة وبعض جدران الدعم». ويقول: «سألت أمينة الصندوق وأفادتني بأن ثلاثة عروض قدمت إلى البلدية قبل أن يرسو التلزيم على أحدها! لكن كيف حصل ذلك وكيف علم من علم بالأمر؟ تبقى هناك قطبة مخفية».
وينتقد غبار ما يتردد «في الكواليس» عن أن «ثمة قراراً سيصدر قريباً من الجهات الإدارية يقضي بتعيين الشرطي الموجود كاتباً أصيلاً، فهو لم يمض على تعيينه في الشرطة أكثر من خمس سنوات، وهو يحتاج إلى عشر سنوات؛ ثم من حق جميع أبناء البلدة التقدم إلى هذا المنصب، وليرس على من لديه الكفاءة، فلا يجوز التعيين وجعل مكان الشرطي شاغراً، مع العلم أن البلدة تحتاج إلى ثلاثة شرطيين على الأقل».
بعيداً عن الشكوك التي بدأت تساور المتابعين للعمل البلدي، تبرز الشكاوى من التأخير في إنجاز المعاملات؛ إذ يتقدّم أبناء إبل السقي إلى معاملاتهم الإدارية البلدية لدى أمينة الصندوق في مركز البلدية قرب الكنيسة. ولأن الموظفة لا يحق لها إصدار المعاملات كإفادات التخمين وغيرها، فهي تنقلها إلى القائمّقام الذي يداوم أياماً محددة. يقول غبار: «كنا ننجز معاملتنا خلال يوم واحد، وأحياناً نذهب إلى منزل رئيس البلدية في العطل أو بعد الدوام، فيلبي حاجتنا على الفور؛ لأنه لا يحتاج إلى تعريف بنا، فهو يكاد يعرف بيوت البلدة بيتاً بيتاً. أما اليوم، فإن معاملتنا قد تستغرق أسبوعاً، وربما احتاج القائمّقام إلى تكليف مهندس لمعاينة الواقع قبل إصدار إفادة أو موافقته عليها، ما يجعل معاملاتنا تمتد أياماً وأياماً، وهذا لا يجوز على الإطلاق».
الأمر الإيجابي الوحيد هو «ما يتردّد على لسان أبناء إبل السقي، نقلاً عن قائمّقام مرجعيون وسام الحايك، أن الأشهر القريبة ستحمل إليهم قرار انتخاب مجلس بلدي جديد، نتوقع أن يكون بين شهري نيسان وأيار. هكذا وعدنا القائمقام بعد زيارتنا له في مناسبة الأعياد»، يؤكد الياس اللقيس. ويتحدث عن قناعة توصل إليها أبناء البلدة «من مسيحيين ودروز، من شيوعيين وتقدميين اشتراكيين وقوميين وتيار وطني حر، ومن مستقلين، إلى أنه أياً كان من أتى إلى المجلس البلدي، من البلدة، خير ألف مرة من أن تبقى بلا بلدية. لذلك، نتمنى على جميع الأفرقاء الذين وقعوا تحت رحمة التجاذبات السياسية أن يعوا دقة الأمر، ويسارعوا إلى الاتفاق على انتخاب مجلس بلدي يعوض هذه البلدة النموذجية ما لحقها من ضيم وإجحاف بسبب تطيير انتخابات بلديتها».
وكان وزير الداخلية السابق زياد بارود قد أصدر مرسوماً يقضي بتولي قائمّقام مرجعيون مهمات البلدية «إلى حين بت المسألة». أما «المسألة» فتتلخص بأن قوى البلدة الحزبية والسياسية، برعاية بعض نواب المنطقة، لم تتوصل إلى لائحة توافقية، أو انتخابات بلدية في أقصى الحالات. وبسبب محدودية المرشحين للانتخابات، لجأت الأطراف المتضررة إلى سحب مرشحيها، فانسحب عدد من المرشحين قبل قفل باب الترشيح، بيد أن القائمقام طلب التروي والعودة إلى الحوار، لكن انسحاباً أطاح الانتخابات قبيل إجرائها، ما دفع المعنيين إلى إلغائها، وقد حُرم المرشحون مبالغ الترشيح»، يقول اللقيس. يختصر الواقع المزري للمحمية الطبيعية التي أنشئت في إبل السقي عام 2004، كمحطة للطيور المهاجرة، لاستقبالها ومراقبتها وحمايتها، المفاعيل السلبية لغياب البلدية. فالمنشآت القائمة على إحدى تلالها الشرقية بالقرب من محميتها الحرجية الطبيعية، من بركة مياه وغرفة مخصّصة لرصد الطيور ومراقبتها، إضافة إلى قاعة الاجتماعات والغرف السكنية لاستقبال السيّاح والزوار تغرق في الخراب والإهمال. ورغم الأمطار الغزيرة التي تساقطت أخيراً، فإن نقطة مياه واحدة لا تتجمع في البركة «لا وجود لبلدية ترعى، وأصلاً هناك اتهام للبلدية المتعاقبة في إهمال وتضييع هذا المشروع المهم جداً الذي كلف مبالغ طائلة، ما يؤكد أن صفقات ما جرت، فأقيم المشروع ولم يحافظ عليه» يقول خالد نهرا.
يشار إلى أن توأمة إبل السقي جرت برعاية «دولية» مع مدينة «كونغسفنغر» النروجية بهدف ترجمة أواصر العلاقات الوطيدة التي جرت بين أبناء البلدة وعناصر القوة النروجية في القوات الدولية المنتشرة في جنوب لبنان والتي أفضت إلى علاقات مصاهرة مع النروجيين من خلال أكثر من عشرين حالة زواج مشترك. وتخليداً لشهداء الكتيبة النروجية الواحد والعشرين الذين سقطوا في جنوب لبنان، أقيم لهم نصب تذكاري داخل البلدة التي تتمركز على أراضيها حالياً القوة الإسبانية العاملة في إطار قوات «اليونيفيل».



لمحة تاريخية

تأسّست بلدية إبل السقي عام 1966 وتولّى رئاستها رياض أبو سمرا حتى عام 1980، ثمّ تلاه فيليب نهرا حتى عام 1990، ليعود أبو سمرا ويرأس البلدية حتى 2001، حين تسلّم ملحم فرحات شؤونها حتى عام 2004. ومن جديد عاد أبو سمرا إلى رئاسة البلدية حتى تاريخ وفاته وهو في الرئاسة عام 2006، فتولّى عضو البلدية فؤاد سعادة رئاستها حتى أيار 2010.
جغرافياً، تقع إبل السقي، وهي أول بلدة في قضاء مرجعيون لجهة حاصبيا على هضبة عند سفوح «حمى إبل السقي». تحدّها الخيام من الجنوب ومرجعيون من الغرب وراشيا الفخار من الشرق وكوكبا من الشمال. ترتفع عن سطح البحر750 متراً وتبعد عن بيروت 97 كيلومتراً، وعن المحافظة 63 كيلومتراً، وعن مركز القضاء 8 كيلومترات. تبلغ مساحتها نحو 60 كيلومتراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها 4020 نسمة ينتمون إلى الطائفتين المسيحية والدرزية.