قبل نحو شهر، وجد المزارع علي حسين حمزة فجلة ضخمة (11 كيلوغراماً). لم يستغرب الأمر، قائلاً: «ليس غريباً على سهل الميذنة أن يعطي فجلة بهذا الحجم؛ فأرضه خصبة وتواقة للزرع الذي حُرمت إياه سنوات». على الفور، يتذكر حمزة خصائص هذا السهل الذي لطالما تميز بالزراعات الموسمية وما يعرف بخضار الشتاء أو الصيف. اعتاد المزارعون إرسال هذه الزراعات إلى سوق الاثنين في النبطية أو القرى المجاورة، حيث يُقبل عليها الناس لطيب مذاقها. هدم الاحتلال الإسرائيلي الكثير من ميزات السهل. قلّت الزراعات الموسمية، علماً بأن الناس اعتادوا نتاج الميذنة. يقول المزارع عبد الله علي أحمد إن «سهل الميذنة كان حتى أواسط خمسينيات القرن الماضي مخصصاً لزراعة الذرة الصفراء والبندورة والباذنجان والفلفل والماش صيفاً. أما شتاءً، فتحتل الحنطة مساحات واسعة من السهل، إضافة إلى الجزر الأحمر واللفت والفجل والملفوف». ويلفت إلى أن «بستاناً واحداً كان يمتلكه آل الزين بمساحة تقل عن عشرين دونماً اكتفى بزراعة الحمضيات، فيما انصرف الفلاحون الذين يمثّلون غالبية أبناء البلدة إلى الزراعات الموسمية لأنها تطعمهم صيفاً وشتاءً وتدر عليهم ما تيسر من مصروف البيت والعائلة».
لم يعد آل الزين يمتلكون معظم الأراضي في السهل. وتحولت الأرض الباقية (يملكها النائب عبد اللطيف الزين) من زراعة الدراق والخوخ إلى التركيز على أصناف محدودة من الحمضيات، تتوسطها بركة اصطناعية ترويها صيفاً وشتاءً. تحوّل جاء بعد التحرير عام ألفين. أما بساتين آل الزين التي ميزت أرضهم قبل الاحتلال، فقد خربها الإسرائيليون وحولوها إلى أرض بور طوال 15 عاماً.
ويتابع أحمد قائلاً إن «ما يلفت الانتباه هو البساتين التي انتشرت في أرض السهل وحلت محل مساحات واسعة كانت مخصصة للزراعات الموسمية التي غطت معظم أراضي السهل أيام مجد الزراعة في كفررمان». ويوضح أن البساتين «ليست أكثر من مكمل لبيوت ودور عدة زرعت بعد التحرير للاستهلاك الخاص والمحدود»، منتقداً «السماح بإنشاء منازل ومتنزهات على أرض زراعية خصبة تغذيها مجموعة من الينابيع وتعوم فوق بركة من المياه بدلاً من تشجيع الزراعة، علماً بأن زراعة أبناء كفررمان مطلوبة ومرغوبة، وأسواقها متوافرة، وتباع منتجاتها بأسعار تميزها عن الخضار المستوردة».
في سوق الاثنين في النبطية، تحتل مواسم الخضار التي ينتجها سهل الميذنة وبعض حقول كفررمان ركناً أساسياً في السوق، يقصدها الزوار لـ«صيتها التاريخي». ورغم تراجع عدد المزارعين الموسميين في هذه المنطقة، لا تزال بعض حقول السهل «تحافظ على سمعة الزراعة». ويلفت أحمد إلى أن «أصحاب البساتين يضطرون إلى بيع بعض إنتاجهم للأسواق بأسعار تغطي نفقات خدمتها والعناية بها، لأنها تحمل بنحو لافت».
احتلت زراعة الأفوكادو حيزاً أساسياً من أراضي السهل، ودخلت الأسواق الجنوبية بكميات كبيرة، وانتشرت معها أشجار متنوعة كالحمضيات (حامض وبرتقال وأبو صفير وكلمنتين وأبو سرة ويوسفي) والجوز، إضافة إلى أشجار العنّاب والريحان (حنبلاس) والسفرجل والخوخ والمشمش والدراق. ورغم أن السهل لا يرتفع أكثر من 450 متراً عن سطح البحر، إلا أن وقوعه في منخفض بين جبال عالية جداً ميّز مناخه الزراعي، وجعل أي زراعة فيه تتكلل بالنجاح والعطاء.
لا شك في أن نقص عدد المزارعين في كفررمان بسبب الاحتلال المباشر للسهل مدة 15 عاماً، وبيع القسم الأكبر من أراضيه لغير أبناء البلدة، واستبدال معظم سكان البلدة الزراعة بحرف ومهن حرة، أسهمت في تراجع نتاج السهل. لكن حمزة يلفت إلى أن «أرضه الخصبة لا تزال تواقة للعطاء، علماً بأن الزراعة، في ظل تطور الوسائل والمعدات، لم تعد بحاجة إلى جهد كبير، لذلك نتمنى على أصحاب الأراضي العودة إلى استثمارها بالزراعة أو تضمينها لمن يرغب، ليعود اللون الأخضر ويطغى على حقول السهل، إلى جانب البساتين التي لا تقل أهمية عن الزراعة الموسمية». ويؤكد أن الفجلة العملاقة التي خرجت من حقل سهل الميذنة، وهي صالحة للأكل، ليست الوحيدة. بل ثمة أخريات تشبهها، ولو أنها أقل وزناً وحجماً». ويذكر أن «بعض ثمار القثاء (المقتي) بلغت متراً ونصف متر في أرض السهل، حالها حال العديد من الزراعات الموسمية».