خاص بالموقع- بيت شحادة في مار الياس. بيت «الذاكرة» الذي طبع في أذهان السكان الأصليين هناك، وأحد «الشواهد» الأساسية على هوية تلك المنطقة وتاريخها، قبل أن تجتاح هواءها أبنية الباطون الشاهقة. في ذلك البيت التراثي، اجتمع «المناضلون» للحفاظ على هوية بيروت التراثية وعدد من الإعلاميّين، ووزيرا الثقافة السابقان، سليم وردة وطارق متري ... بغياب الحالي ـــــ مع رئيسة جمعية الـ«APSAD» التي تعنى بالمحافظة على بيوت بيروت، ريا الداعوق. عادة، لا يحصل هذا الجمع بسهولة، لكنّ ريما شحادة عرفت كيف توطد العلاقات بينهم وتوحدهم حول الهدف الأساسي: المحافظة على بيوت بيروت القديمة.
لهذا، استضافتهم في بيتها في جلسةٍ للحديث عن وضع الأبنية التراثية. وخلال الجلسة، طرح الحاضرون نقاطاً حساسة عن الوضع الحالي للأبنية التراثية، متخوفين على مصيرها. فعلى سبيل المثال، أبدت المهندسة منى حلاق «تخوفاً من الجردة الجديدة التي ستتم لأبنية بيروت لمعرفة أي منها يمثّل خطراً على السلامة العامة، بعد انهيار مبنى فسوح في الأشرفية». أما سبب التخوف، فهو أن «تلصق اللجنة البيوت القديمة بهذه اللائحة، كما فعلت عام 1997 للبيت الأصفر على السوديكو، فلولا الحملة الوطنية لكان إذن الهدم قد نفذ». ولأن حلاق لا تثق بتقارير لجنة واحدة، طلبت «تشكيل لجنة ثانية تراقب قرارات اللجنة الاولى». كما طالبت بإدخال «البيوت المصنفة من فئة A _ B _ C في لائحة الجرد العام للمحافظة عليها دون انتظار قرارات هدمها».
وعن الهدم وتغيير هويةٍ بدأت ملامحها مع «بداية إعادة الإعمار في وسط بيروت وتمتدّ إلى اليوم في كل أرجاء العاصمة»، كما تقول الداعوق. تنهي كلامها بالسؤال عن المسؤول، فيأتيها الجواب من وزير الثقافة السابق طارق متري، الذي قال إنه «حينما تقرر المجموعة أن المسؤولية تقع على عاتق الكل وليس هناك من مذنب، يعني أنها تملصت منها، وبالتالي ليس هناك من عقاب». يكمل متري قائلاً «ولحماية البيوت القديمة والحفاظ على حق أصحابها بها وبالإيرادات المالية، من الضروري أن يمرر مجلس النواب مشروع قانون حماية الأبنية التراثية، الذي وافق عليه مجلس الوزراء في أيار عام 2007، والذي درسته اللجان النيابية». ويشير إلى أن «وزارة الثقافة عملت لثلاث سنوات من أجل صياغة هذا القانون، كما استشارت كل اللجان والوزارات من أجله، ولهذا يجب بتّه لكونه يجبر المالك على المحافظة على البناء، وفي الوقت نفسه يعطيه حافزاً مادياً لذلك».
مطلب وافق عليه تماماً وزير الثقافة السابق سليم وردة، الذي قال إن «قانون الأبنية الأثرية هو حل عادل لهذا الوضع، يحافظ على المدينة ويعطي المالكين حقوقهم»، معتبراً أن «حماية الأبنية التراثية تكتمل حينما يقر أيضاً قانون الإيجارات الذي يحمي حقوق المالكين». هنا، كان الحديث مناسبة ليسأل الحاضرون عن مصير هذا القانون القابع في أدراج مكتب رئيس المجلس النيابي. بعض الحاضرين يردّون سبب عدم «تقليعة» القانون إلى «المقاولين النافذين الذين يرون أن القانون مضرّ بمصالحهم فيبقونه في الخباء». من جهتها، أكدت بشرى عيتاني، العضو في مجلس بلدية بيروت أن «البلدية مهتمة جداً بالمحافظة على بيوت بيروت القديمة، ولكن بما أن القدرة التنفيذية بيد المحافظ، تبقى الأمور عالقة». وبعد حديثٍ طويل، تبيّن للحاضرين أن «رئيس بلدية بيروت لا يطلع أفراد المجلس على المشاريع المطلوبة من البلدية في ما يخص البيوت القديمة، ولا تقرّ المشاريع الموافق عليها على جدول أعمال اجتماعات المجلس البلدي لتصرف المبالغ الجاهزة لها، كما هي الحال بالنسبة إلى بيت السيدة فيروز وبيت بشارة الخوري في زقاق البلاط».
بعد ذلك، تطرق الحاضرون إلى تغير شكل بيروت وفقدانها لهويتها، فكانت مداخلة لمنى حلاق أسفت فيها لضياع هوية المدينة، «فعند طلعة جنبلاط في عين المريسة، لم يبق من الشارع (ذي الطابع التراثي) إلا قصر واحد»، بعدما استبدلت القصور الثلاثة الباقية بثلاثة أبراج. معركة الحفاظ على البيوت القديمة ثقافية بلا شك، واجتماعية أيضاً، فمن الصعب أن يفهم المواطن اللبناني جملة المفكر الفرنسي فيكتور هوغو التي اختصرت المشكلة قبل قرن، حين قال «ملك المبنى لأصحابه، لكن جماله ملك للشعب».