عكست جغرافيا بلدة حرار تضاريس سياسية واجتماعية تشبهها كثيراً. حتى إنه يحلو لأبنائها تسميتها «عروس القيطع». فالبلدة تجمع، بامتداد مساحتها، بين وسط القيطع على حدود قرى قبعيت وبيت أيوب وبيت يونس، وبلدات الجرد العكاري العالية من ناحية مشمش وفنيدق.انسحبت الجغرافيا على التنوّع السياسي في البلدة، وعكسته في تركيبة مجلسها البلدي، الذي يحوي الموالاة والمعارضة ومناوئيهما، على حد سواء. يرأس البلدية خالد اليوسف، المنتسب بحماسة ومن دون أيّ تحفظ، إلى «تيار المستقبل». وينوب عنه في الرئاسة أحمد عنتر، الذي يعلن جهاراً نهاراً تأييده النائب السابق وجيه البعريني، ويرى خمسة آخرون فازوا من اللائحة المنافسة لائتلاف المستقبل ـــــ البعريني أن هذا الائتلاف هو حصيلة التقاء المصلحة، ولا يعبّر عن المعارضة ولا عن الموالاة.
الوصول إلى مبنى البلدية سهل جداً، فهو في وسط البلدة وبالقرب من مبنى اتحاد بلديات جرد القيطع. ولدى سؤال موظفة الاستقبال عن رئيس البلدية، يخرج أحمد علي عنتر من غرفة مكتبه للترحيب، مبدياً اهتمامه بـ«أي وسيلة إعلامية تهتم ببلدتنا». للوهلة الأولى لا شيء يوحي بأن عنتر ليس رئيس البلدية، لولا وجود لوحة مرتبة، كتب عليها «أحمد علي عنتر ـــــ نائب رئيس البلدية». الجلسة في مكتب نائب الرئيس تكاد تكون فريدة: نائب الرئيس يحتل الواجهة، يتحدث بشؤون البلدة والبلدية بغياب الرئيس، رغم أن الأخير من تيار سياسي آخر، وفي غرفة المكتب يوجد عضو شيوعي وآخر مستقل، والعضوان يعترضان على سياسة المجلس البلدي برمتها، ومع ذلك يسود جو من النقاش والمزاح والتلطيش، لا يتبدّل مع دخول الزوار وخروجهم لمراجعة البلدية في بعض الشؤون.
يقول عنتر إن البلدة «تشهد تنوعاً سياسياً تحت سقف التفاهم والتفاعل الاجتماعي السليم، وحافظت على العيش المشترك، إذ لا يزال زهاء 150 ناخباً مسيحياً من ضمن آلاف الناخبين المسلمين، يمارسون حقهم الانتخابي بكل حرية». يقاطع العضو الشيوعي باعتزاز «لا تنسى أن البلدة قدمت خمسة شهداء من جبهة المقاومة الوطنية في معركة أرنون». وبعدما قدّم عنتر عرضاً تفصيليا حول البلدة، توقف مطولاً للحديث عن مشروعين أساسيين في البلدة. المشروع الأول مستشفى الحبتور، الذي يرى فيه أطياف البلدة مجتمعين مشروعاً حيوياً وأساسياً، ليس لبلدة حرار فحسب، بل لمنطقة جرد عكار كلها أيضاً، التي تحتاج إلى ساعة من الوقت من أجل بلوغ أقرب مستشفى، سواء في حلبا أم في طرابلس. وهذا ما ألح عليه أيضاً رئيس البلدية خالد اليوسف، لدى مقابلته في منزله، الذي وجه نداء إلى رجل الأعمال خلف الحبتور، الذي تبرع ببناء المستشفى، متوقعاً منه أن يسهم في تأمين كلفة التجهيزات اللازمة لتشغيل المستشفى.
أما المشروع الثاني، فهو مشروع نبع البرغش، الذي مضى أكثر من ثلاثين عاماً على محاولات فاشلة لتشغيله، وأُهدرت في سبيله جهود مضنية قام بها أهالي البلدة في الأودية والمنحدرات، كما صرفت أموال باهظة من دون طائل، ولا تزال مئات القساطل الضخمة مجمّعة عند مدخل البلدة، ينتظر تمديدها أبناء أربع عشرة بلدة وقرية من دون مياه شفة.
من جهته، يفتخر عضو المجلس غازي هزيم، وهو رئيس اللائحة المنافسة، بمشاركته الدائمة في اجتماعات المجلس، وبتمكنه، مع الأعضاء الأربعة المناوئين لثنائي المستقبل ـــــ البعريني الذي اعتاد اختصار المجلس بالرئيس ونائبه، بمساهمته الفاعلة وبسعيه الحثيث، رغم قلة النتائج العملية، لوضع المجلس على سكة العمل المؤسساتي، وقيامه مع فريقه بتعزيز الشفافية وتعريف المواطنين وباقي أعضاء المجلس والمرشحين بمفاهيم العمل البلدي، بعيداً من أدبيات الانتخابات المعتمدة. وفي السياق، ثمة تجربة جديدة يأمل تعميمها في باقي البلديات، وتتمثل في دعوة جمهور الناخبين بعد انقضاء مدة معينة لإطلاعهم على المنجزات والإخفاقات، وإشراكهم في تحمل المسؤولية.