لا تزال الضابطة العدلية تمارس التعذيب في لبنان. هذه هي الخلاصة الأهم التي خرج بها كل من شارك في المؤتمر الذي نظمته جمعية عدل ورحمة، أمس، في بيت المحامي - بيروت. ورغم كل الندوات التي أقيمت سابقاً، والملصقات التي ملأت شوارع العاصمة، وجهود مختلف الجمعيات الأهلية الناشطة، ومعها تصريحات المسؤولين في الدولة، فإنه لا يزال بالإمكان، بسهولة فائقة، إيجاد مواطن يشكو من تعذيب تعرّض له في أحد المخافر. الأوروبيون لا يحبّون التعذيب، بل أكثر من ذلك، هم على أهبة الاستعداد دائماً لتمويل كل من يريد مناهضة التعذيب في بلده. وهكذا فعلوا في لبنان، إذ موّلوا مؤتمر الجمعية التي يرأسها الأب هادي عيّا، والذي حمل عنوان «مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانيّة أو المسيئة: بين النصّ والتطبيق». أغلب من حضر المؤتمر من القضاة والمحامين. هما جناحا العدالة... هكذا يقولون. بدا لافتاً أن أحد القضاة لم يكن مهتماً لسماع الكلمات التي ألقيت، إذ وجد، أن «اللعب» بهاتفه الخلوي والدردشة عبر «الواتس آب» أكثر أهمية. أيضاً، كانت سهلة ملاحظة قاض آخر غارق في حديث جانبي مع صديقه المحامي، وذلك في عزّ النقاش القانوني الدائر بين الحاضرين. هكذا، تتكرر هذه النماذج من ضيوف المؤتمرات في لبنان، ما يشير، ربما، إلى سبب عدم فاعلية أغلب هذه الاجتماعات.
أحد المحامين بدا «طوباوياً» أكثر من اللازم، عندما دعا إلى عد التأخير في بت المحاكمات «كأحد أنواع التعذيب». نظرياً، ربما ما قاله المحامي صحيح، لكن أن يطالب بهذا في بلد لا تزال تستخدم فيه أساليب «البلانكو» و«الفروج» على نحو واسع، فإن ذلك الكلام يصبح ضرباً من ضروب «البساطة». لم ينس بعض الحاضرين، من المحامين تحديداً، التذكير بالجملة الشهيرة: «لماذا لا تتحرك النيابة العامة تلقائياً؟». لا ينفكون يطرحون السؤال نفسه في كل مؤتمر ولقاء. لكن، في المقابل، طرح أحد الحاضرين مسألة جوهرية في الحد من التعذيب، وهي ضرورة حضور المحامي مع وكيله من اللحظة التي يوقف فيها.
المحامي كارلوس داوود قال لـ«الأخبار» إن حق الصمت «مقدس لكل موقوف، إضافة إلى لزوم حضور المحامي أثناء التحقيق الأولي، ولكن للأسف هذا غير معمول به في لبنان، فضلاً عن أن التشريعات في هذا المجال مبهمة وتحتاج إلى إيضاح».
من جهته، أوضح النائب غسان مخيبر، الذي كان يدير حلقات النقاش في المؤتمر، أن «التعذيب واقع في لبنان، ولكن لا يمكن عده ممارسة ممنهجة»، لافتاً إلى أن «مكافحة هذه الجريمة يجب تعزيزها بقرار سياسي كبير من السلطات اللبنانية، أي بدعم السلطة التشريعية في مجلس النواب ووزارة العدل والسلطة القضائية
بالذات».