شهد لبنان خلال هذا الشهر، ثلاثة مؤتمرات وندوات، كان موضوعها الأمن الغذائي العربي. في الأساس، يعود هذا الاهتمام إلى واقع العالم العربي الغذائي المتردي. العرب يستوردون نصف ما يستهلكونه من غذاء، مما يزيد من هشاشة وضعهم الغذائي، في ظل تقلبات السوق. وفي هذا الصدد، أشار العديد من الباحثين، إلى التزامن بين ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، واندلاع الانتفاضات العربية. في الواقع، يواجه قطاع انتاج الغذاء في الوطن العربي تحديات كبيرة، تعود في الأصل إلى السياسات الاقتصادية المتبعة، التي حفزت النمط النيوليبرالي، وسهلت الاتكال على القطاعات الريعية بدلاً من تدعيم القطاعات الإنتاجية، ما أدى إلى غياب العدالة في توزيع الملكيات الزراعية وانحياز الحكومات لمصالح الأثرياء. هذه العوامل مجتمعة، أدت إلى انهيار الريف وتفشي البطالة (تطاول٣٠٪ من الشباب). ورغم كل شيء، لا يزال عدد الريفيين في الوطن العربي يتصاعد، إذ يمثّل سكان الأرياف أكثر من ثلث العرب، وطبعاً معظمهم من الفقراء.
رغم بعض الاقتراحات «الساذجة» التي تتحدث عن ضرورة دعم هجرة الشباب إلى المدن، ثمة توافق عام على دور الزراعة في الانتقال من الريع إلى الإنتاج وفي مكافحة الفقر والبطالة، لكن، ما زال الغموض يسيطر على نوع السياسات التي يجب تبنيها وآليات تنفيذها. وقد تتمحور التساؤلات عن نوعية النمو القطاعي وطبيعة فرص العمل. وهنا، علينا الإجابة عن سؤال أساسي: أيّ زراعة نريد لبلادنا؟ زراعة استثمارية رأس ماليّة مبنيّة على استغلال العمال الزراعيين تحت ستار خلق فرص العمل، أم إنعاش الزراعة العائلية التي تؤمن السيادة الغذائية وتدعم النمو الاقتصادي المستدام؟ في ظل الثورات العربية، هل يكون الخيار هو الاستغلال أم الاستقلال؟