«أزمة أخلاقية على رأس الهرم القضائي». هكذا عنونت «المفكرة القانونية» حلقة نقاش حول طاولة مستديرة على خلفية الفضيحة التي طاولت المرفق القضائي بعد خروج تسجيل مصوّر إلى العلن يُظهر قاضياً يشغل عضوية أعلى هيئة قضائية يفاوض لقبض رشوة. النقاش الذي حضره خمسة قضاة، إلى جانب محامين وحقوقيين وطلاب وناشطين في المجتمع المدني، خلُص إلى التشديد على عدد من المطالب. فدعا هؤلاء إلى «ملاحقة الراشي والمرتشي وكل من تورّط في العملية باعتباره جرماً جزائياً». وأكّد المجتمعون ضرورة تحرّك نقابة المحامين وتحمّل مسؤولياتها لجهة «الحرص على حق الدفاع ونزاهة القضاء واستقلاليته». وأجمع الحاضرون على أنه «يُفترض بنقابة المحامين أن تكون وراء تحريك الملف برمّته». وفي السياق نفسه، كشف أحد الحاضرين أن هناك عدداً من المحامين خسروا دعاوى لدى القاضي المتهم، هم بصدد رفع دعاوى لإعادة النظر في الأحكام التي أصدرها. لقد مرّ النقاش على كثير من الأمور التي تؤرق الجسم القضائي، ورغم أن النقاش انطلق من عدة ثوابت، أبرزها ضرورة عدم شخصنة التحرك، باعتباره ليس موجّهاً إلى شخص القاضي غ.ر. نفسه، أكّدت مستشارة القاضي المتهم تورّطه، كاشفة أن التسجيل جرى في أحد المطاعم. واستنكرت ما ذهب إليه رؤساء التمييز عندما تقدّمت بإخبار ضد القاضي المذكور قائلين: «الله يسامحك ليش تقدمت بإخبار». ليس هذا فحسب، فقد أضافت القاضية نفسها: «لو لم أطلب موعداً من التفتيش لما سألني أحد عن القضية رغم مرور شهر على حصولها». واستنكرت طلب المعنيين منها استمرار حضور الجلسات معه، علماً بأنه «ثالث رئيس تمييز بطير».
مسألة أخرى جرى التطرّق إليها خلال جلسة النقاش. العريضة التي وقّعها قضاة ورفعوها للنيابة العامة التمييزية للتحقيق فيها، مطالبين بضرورة جلاء الحقيقة في هذه القضية ومحاربة الفساد داخل الجسم القضائي. واستغربت القاضية غادة عون تردد زملاء قضاة في توقيع هذه العريضة، آسفة لحضور خمسة قضاة فقط لإطلاق الصرخة لاستنهاض القضاء والحفاظ على نزاهته واستقلاليته. واستنكرت القاضية عون روح التخاذل والإحباط السائدة لدى عدد من القضاة، مؤكدة ضرورة وقوف الجميع وقفة كرامة. بدوره، أشار القاضي منير سليمان إلى أن القاضي المعني بات أمام المجلس التأديبي، مشدداً على ضرورة متابعة القضية حتى النهاية والمطالبة بتسريع المحاكمة.
وردّاً على سؤال عن سبب اقتصار تحرّك القضاة على عدد قليل منهم، ردّ المحامي نزار صاغية قائلاً: «القضاة متخوّفون؛ لأن هناك جو إرهاب في العدلية»، مشيراً إلى أن «لبنان من أكثر الدول التي تقيّد فيها حرية القضاء».
الحماسة والاستنفار كانا ميزة معظم الحاضرين الذين نادوا بالإصلاح القضائي وبضرورة ضمان نزاهة القضاء واستقلاليته. ورغم الاختلاف على أولوية بدء الإصلاح، أيهما أولاً، الانطلاق من رأس القضاء أم العكس؟ أكد هؤلاء وقوفهم جنباً إلى جنب مع القضاة لتشجيعهم على المشاركة بانتفاضة الإصلاح.