بعد 15 شهراً على توقيفها احتياطياً، أمر القاضي بإطلاق سراحها لـ«عدم كفاية الدليل». اليوم، وبعد حكم القضاء، تسأل العاملة البنغلادشية، ليبي لاكسمي، من سيعيد لها اعتبارها المعنوي؟ الجواب الذي ستقدّمه الدولة لها هو... «لا أحد». هكذا، يمكن لشخص، فقير غالباً، أن «يتخ» في السجون اللبنانية قبل أن تثبت براءته. ففي لبنان، لا يقدّم في مثل هذه الحالات أي تعويض، بحسب القانون، هذا إن سُلّم جدلاً أن هناك ما يمكن أن يعوّض سني السجن. اللافت أن هذا يحصل باسم القانون، إذ ثمة نص يتحدث عن توقيف احتياطي، يصبح بموجبه مباحاً توقيف بعض المتهمين من دون محاكمة إلى ما لا نهاية. مدّة توقيف العاملة لاكسمي، ابنة الـ27 عاماً، ليست الأمر الوحيد البارز في قضيتها. فما حصل معها، قبل توقيفها، يأتي ليؤكد طبيعة العلاقة المأزومة بين «الخادم والمخدوم» في لبنان، والتي يبدو أنها أصبحت قائمة على «الخوف» المتبادل. قبل نحو سنة وثلاثة أشهر، أخرجت سارة حبّة الدواء «المنحّف» من فمها، بعدما وجدت طعمهاً مرّاً، على غير العادة، ورائحتها تشبه رائحة «الديمول». اتصلت بوالدتها وسألتها عن الدواء، الذي تتركه لها يومياً على طاولة المطبخ، فأخبرتها أنها في ذاك اليوم تحديداً لم تفعل. بعد ذلك، حضرت الوالدة إلى المنزل وسألت لاكسمي إن كانت هي من وضع الدواء على الطاولة، فأنكرت الأخيرة قيامها بذلك. طلبت الوالدة من عاملتها أن تشرب حبّة الدواء ذاتها، فرفضت الأمر. هنا، نقلت العائلة لاكسمي إلى النيابة العامة في بيروت. وبالتحقيق معها، نفت مجدداً التهمة عن نفسها، وأفادت بأن أصحاب المنزل «قاموا باحتجازها في الحمّام حتى الصباح بعدما ضربوها». وجاء في افادتها أن سارة كانت «تتعرض لها بالضرب بذريعة أن عملها لا يعجبها». في المقابل، أفادت سارة بأن لاكسمي، التي مضى على وجودها في المنزل نحو عامين، كانت خلال العام الأول حسنة الأخلاق، ثم ساءت أخلاقها لاحقاً، إذ «أصبحت تجدها داخل غرفة نومها فجأة، فكانت في مرات عدة تستيقظ لتجدها واقفة قرب سريرها». العاملة كانت تبرر دخولها الغرفة بقصد ايقاظ سارة من النوم. اللافت أن والدة سارة، في إفادتها، قالت إن العاملة كانت تقضي اوقاتاً مع ابنتها على الإنترنت، وكانت تربطهما علاقة طيبة في التعامل. وفي مرحلة لاحقة من التحقيق، أفادت العاملة بأنها اعترفت في التحقيق الأولي بما أسند إليها، بسبب تعرضها للضرب، فكانت تقول «لا» ثم تقول «نعم». وأوضحت أنها قالت لسارة: «sorry ... أنا ما عملت شي».
اللافت أن الحكم الصادر حديثاً عن محكمة الجنايات في بيروت، برئاسة القاضي بركان سعد، يشير في حيثياته إلى اعتراف لاكسمي بوضع «الديمول» في حبّة الدواء، لكن من دون علمها أن هذه المادة قاتلة. فالعاملة الأجنبية كانت تريد فقط جعل رائحة الدواء تبدو كريهة لكي لا تتناوله سارة، لأنها «لم تكن تريد لها أن تصبح نحيفة، وقد رددت أثناء التحقيق معها عبارة: أنا بدي ياها هيك». هكذا، يفهم مما ورد أن ثمة مشاعر عاطفية، من نوع ما، كانت تكنها لاكسمي لسارة. وعند سؤال القوى الأمنية سارة عن طبيعة هذه العلاقة، أفادت بأن العاملة «تعتبر مهووسة بها، وأنها حتى بعد نقلها إلى المخفر قالت لها سامحيني، أريد الذهاب معك إلى البيت فلا تتركيني». لم يجد القاضي ما يثبت تهمة محاولة القتل على العاملة، خاصة في ظل عدم وجود خلاف جدي بين المتهمة وبين العائلة، وأنها لم تكن ترغب في أن تتناول سارة الدواء «لكي لا يضعف جسمها». هكذا، رأت المحكمة أن الأدلة على توافر القصد الجرمي لدى العاملة لقتل سارة «غير كافية، وبالتالي لم يتكوّن الاقتناع الكافي الذي يرتاح إليه الضمير والوجدان للتجريم». وبناءً على ذلك، أعلنت المحكمة براءة لاكسمي من التهمة، وأمرت بإطلاق سراحها فوراً.