«الظروف الصحية التي عاناها المدعي العام دنيال بلمار، وتذرّع بها للتنحي أتاحت له فرصة الإفلات من قرار استبعاده عن المحكمة، بسبب نقص في كفاءته المهنية»، بحسب ما قال أمس أحد زملاء بلمار في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وأضاف إن «رئيس المحكمة (الراحل) أنطونيو كاسيزي دعا جهات دبلوماسية غربية خلال صيف 2011 الى دعم قرار يقضي باستبدال بلمار بنورمان فاريل». يدلّ ذلك على أن اسم فاريل، الذي عُيّن أخيراً خلفاً لبلمار، كان متداولاً منذ فترة، واختاره الأمين العام للأمم المتحدة من بين لائحة أسماء وضعتها مسؤولة الدائرة القانونية في الأمانة العامة للأمم المتحدة باتريسيا أوكونر، لأنه كان المرشح المفضّل لكاسيزي.وشرح زميل بلمار في المحكمة أن قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين رفض في 13 آذار الجاري طلب تعديل قرار الاتهام، الذي تقدم به بلمار في 8 شباط الفائت، لأنه مخالف لقواعد الإجراءات والإثبات. فالتعديل المقترح يؤثر سلباً في حقوق المتهمين الأربعة.
الموظف الرفيع المستوى في مقرّ المحكمة في لاهاي أشار الى أن إنتاجية بلمار كانت محدودة، الى حدّ جعل المسؤولين في المحكمة يستاؤون منه. المدعي العام الكندي لم يتمكن من إحراز تقدم ملموس في التحقيقات الجنائية، بل اعتمد معظم التحقيقات التي كانت جهات محلية قد أنجزتها عامي 2005 و2006، ويتضمّن ذلك تحليل داتا الاتصالات وتحديد الشبكات المزعومة للمشتبه فيهم بالضلوع في الجريمة. أما أبرز الإشارات المباشرة التي تدلّ على ضعف أداء بلمار فتخصّ الإجراءات التي قرر السير فيها في ثلاث قضايا: قضية إصدار قرار الاتهام الدولي، وقضية حقوق اللواء الركن جميل السيد، وقضية حجب معلومات ومستندات عن الدفاع، إذ إن قاضي الإجراءات التمهيدية دنيال فرانسين رفض تصديق قرار الاتهام، الذي أحاله عليه بلمار في 17 كانون الثاني 2011 بسبب عدم تناسبه مع المعايير القانونية. ورفض فرانسين كذلك التصديق على نسخة ثانية من القرار، بعدما أدخل بلمار تعديلات عليها، وأودعها القاضي في 11 آذار من العام نفسه. وفي 6 أيار أدخل بلمار تعديلات إضافية على قرار الاتهام، لكن تبين، على الرغم من ذلك، أن القرار يفتقد الحدّ الأدنى من المهنية فرفض القاضي تصديقه. أما الدليل الأبرز على النقص الحاد في المهنية، الذي يميّز بلمار، فظهر من خلال تعامل المدعي العام مع طلبات اللواء السيد الاطلاع على مستندات قد تساعده على مقاضاة الأشخاص المسؤولين عن اعتقاله لنحو أربع سنوات تعسّفاً، حيث إن بلمار اعترض على قرار القاضي فرانسين باعتبار هذه القضية من ضمن اختصاص المحكمة القانوني، فبادر الى الطعن به أمام غرفة الاستئناف في 29 أيلول 2010، لكن، بسبب ضعف حجج بلمار والنقص في كفاءته المهنية في الدفاع عن وجهة نظره، ردّت غرفة الاستئناف الطعن الذي تقدّم به، إلّا أنّ المدعي العام لم يرتدع، بل استمرّ في وضع العوائق في طريق تحقيق العدالة لجميل السيد. فأودع طعناً جديداً بقرار القاضي تسليم السيد المستندات، لكنّ غرفة الاستئناف عادت وردّت الطعن للمرة الثانية. وفي القضية الثالثة، تولّت نائبة بلمار القاضية اللبنانية جويس تابت، بناءً على توجيهات بلمار، وضع العقبات أمام تحقيق العدالة عبر اعتراضها المتمادي على تسليم فريق الدفاع كامل مضمون ملفّ المواد المؤيدة لقرار الاتهام.
يذكر أن تحقيقات فريق الدفاع انطلقت أخيراً لدحض ما ورد في قرار الاتهام، لكن يرجّح أن يتقدّم المحامون قبل ذلك بدفوع أولية تشكّك في شرعية المحكمة الدولية. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة الى أن أمام المحامين نحو 30 يوم عمل (مهلة تنتهي في نيسان المقبل) قبل أن يقرروا الطعن في شرعية المحكمة أمام غرفة الدرجة الأولى.