كانت فتاة صغيرة عندما غادرت لبنان. لم تعش ما يكفي في بلاد الأرز لـ«لبننة» أفكارها. ظلت صورة «وطن النجوم» تداعب خيالها، لأكثر من 20 عاماً قضتها في أوروبا، أصبحت خلالها مواطنة أوروبية بموجب جنسية. قبل مدّة، جاءت إلى لبنان، في زيارة حنين إلى الوطن، لتكتشف، بعد أيام، أنها تقف على أرض «لا أمان فيها». خلال أيام قضتها في بيروت، كان عقلها، لا إرادياً، يقارن بين «حقوق الإنسان» في أوروبا و«عيش الوحوش» في لبنان. هالها أن يردد الجميع على مسمعها عبارة «دبّر راسك». قالها لها أقاربها مراراً لجعلها تيأس من «البوليس» الذي يحصّل الحقوق، لكن من دون جدوى... لم تستطع تقبّل الفكرة. خلال وجودها في لبنان، احتاج هاتفها الخلوي الأجنبي إلى برمجة خاصة، لكي يمكن تشغيله على الشبكة اللبنانية. دخلت إلى محل في منطقة النويري، يدّعي صاحبه تقديم خدمة البرمجة و«فتح الكود». أعطته الهاتف وعادت في اليوم التالي لتتسلمه... ولكن من دون الأرقام المحفظة عليه. فقد محا «المصلّح» كل التطبيقات المضافة إليه. أكثر من ذلك، اكتشفت بعد مغادرتها المحل أن الهاتف ما عاد يعمل، لا على الخط الأجنبي ولا على الخط المحلي. راجعت صاحب المحل مباشرة، فسحب يده من الموضوع، معترفاً بأن «خللاً ما قد حصل أثناء التصليح». ذهبت إلى صاحب محل آخر، فأخبرها أن الأول قد «خرّب» الهاتف كلياً، وبالتالي «أصبح للكب». عند ذلك، وبما أنها دخلت لبنان عبر جواز سفرها الأوروبي، راحت تسأل عن مكان الشرطة السياحية، بغية التقدم بشكوى ضد صاحب المحل. لم يفلح بعض اصدقائها بإقناعها بعدم جدوى هذه الشرطة في لبنان، لكنها بقيت مصرّة على الأمر. بالنسبة إليها، هكذا تُعالج عمليات «الغش» في أوروبا.
اتصلت على الخط الساخن للشرطة السياحية، وأخبرتهم بما حصل معها. طبعاً، كان لا بد من توصية أحد المعارف لدى الشرطة، بغية تقبلهم فكرة أن سائحة لجأت إلى قوى الأمن لتحصيل حقها. لم يكن غريباً أن تشي ملامح وجه العسكري، الذي طلب إليه متابعة القضية، بالاستغراب والدهشة. هو لم يعتد مثل هذه الشكاوى. وبعد عدة اتصالات، ذهب العسكري إلى صاحب المحل وفاتحه بالأمر. صودف وجود قريب للأخير في المحل، فراح يصرخ بـ«السائحة» في حضور العسكري، قائلاً لها: «رحتي جبتيلنا الشرطة كرمال تلفون! شو مفكرة حالك بسويسرا؟». حاول رجل الأمن إسكاته، لكن من دون جدوى، فرد عليه اللبناني الغاضب: «نحن ما منخاف لا من دولة ولا من درك». على أي حال، انتهت المفاوضات إلى تعهد صاحب المحل إصلاح الهاتف خلال أيام. لكن مرّت الأيام من دون حصول «السائحة» على حقها. ملّت أخيراً. وهي تقول اليوم: «القضية في المبدأ وليست في قيمة التليفون. عندما يتوقف الناس هنا عن عد بلدهم غير قادر على أن يكون مثل سويسرا، عندما يصبح لديهم طموح، يومها فقط يمكن أن يحصل تطور... لن أطيل مكوثي هنا، سأغادر على أقرب طائرة».
يُذكر أن عديد الشرطة السياحية في لبنان، بحسب القانون، يفترض أن يكون 256 شرطياً، لكن لا يوجد حالياً سوى 50 فقط، نتيجة النقص الذي تعانيه قوى الأمن الداخلي عموماً. اللافت أن عديد هذه الشرطة، المتدني جداً، مكلف توفير الأمن لأكثر من 10 آلاف مؤسسة سياحية، في بلد يقال إن سياحته هي نفطه.