اسمه ألستر كراولي. كان معروفاً في الأوساط اللندنية بأنّه شرير. كان يطلق على نفسه لقب «الوحش الكبير»، وكان يكتب مذكراته. كتابات قرر المؤرخ البريطاني مارك بينون دراستها، يقيناً منه بأن كراولي ليس بعيداً عن تلك الجرائم. وقد نشر بحثه الموسع في كتاب «لعنة لندن ـــــ قتل وسحر أسود وتوت عنخ آمون في العشرينيات في الطرف الغربي من لندن». يقول بينون إنّ «جرائم قتل ستة أشخاص في لندن نسبت إلى الفرعون توت عنخ آمون (أي إن اللعنة لا تزال حية) هي في الواقع من أعمال أحد أتباع الطقوس الشيطانية الأكثر شهرة ألستر كراولي».
في عام1923، اكتشف عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر قبر الفرعون توت عنخ آمون مقفلاً، وعلى بابه لعنة (مثل كل قبور الملوك) مغزاها أن كل من يعبث بمحتويات القبر سيموت في ظروف غامضة. الاكتشاف عدّ سابقة في علم الآثار الفرعونية، وخصوصاً أنّ القطع المكتشفة من الذهب الخام، لكن، ما هي إلّا أشهر قليلة حتى بدأ أفراد البعثة يُتوفَّون، فقد لقي عشرون شخصاً حتفهم في أقل من عشر سنوات، ستة منهم قضوا في لندن. يومها، قيل إنّ العاصمة البريطانية وقعت تحت قبضة لعنة الفرعون توت عنخ آمون.
أول المتوفَّين كان راول لوفداي (23 سنة) الذي مات ساعة فتح القبر، ومن ثم قتل الأمير علي كامل فهمي بيك، على يد زوجته في فندق في لندن بعد زيارته للقبر، ثم توفي أوربي هربرت (الأخ غير الشقيق لعالم الآثار كارتر) بسبب تسمم في الدماء بعد زيارته للمدفن، وكان هذا مصير سكرتير عالم الآثار الكابتن كارتر، الذي وجد مقتولاً في سريره، وبعد أقل من سنة توفي والد عالم الآثار البالغ من العمر 72 سنة بعدما سقط من شباك شقته، حيث كان يحتفظ بمحتويات من قبر الفرعون. ثم توفي عالمان في المتحف البريطاني شاركا في الإعداد لمعرض محتويات القبر بعدما أصيبا بتسمم في الدم. وقعت كل تلك الوفيات بين 1923 و1934، وكانت تسرد تفاصيلها في الصحافة البريطانية وتربط ذلك دائماً بلعنة الفرعون، ما ولّد فكرة أنّ اللعنات لا تموت مع الزمن.
لكن للمؤرخ بينون وجهة نظر أخرى. فهو ينسب جميع جرائم لندن إلى «ألستر كراولي، الذي أظهرت دراسة مذكراته أنّه كان مهووساً بالمجرم الشهير «جاك السفاح»، الذي حوّل لندن إلى جحيم في أواخر القرن التاسع عشر. ويقول بينون إنّ جرائم قتل من شارك في فتح قبر الفرعون تبدو طقسية. فكراولي كان يطلق على نفسه لقب «الوحش الكبير»، وهو من أتباع «آلهة الفلسفة الدينية» المستوحاة من الديانة المصرية القديمة، وكان يعتقد بأنه نبي يبشر بزمن جديد ويتحكم فيه الإله المصري حورس. وكان على الأرجح يعدّ فتح قبر الفرعون تدنيساً، ما حفّزه على الانتقام من المشاركين في العملية، لينفذ اللعنة المكتوبة.
ويشرح بينون الجرائم قائلاً: «كان الطالب لوفداي من أتباع طقوس كراولي، وتوفي بعد شربه دماءً مسممة لقطّ ضحي به. أما الأمير علي كامل فهمي بك، فقتلته زوجته ماري ـــــ مارغريت، عشيقة كراولي، الذي أقنعها بالقيام الجريمة بعدما زار زوجها القبر. وكان ذلك سبب قتل شقيق عالم الآثار بعد عودته من مصر تماماً كما حصل لسكرتير هاورد الذي عثر عليه مقتولاً في سريره، وقيل حينها إنّ سبب الوفاة أزمة قلبية، لكن العوارض تشير إلى أنه خنق، وكان كراولي في تلك الليلة ضيفاً على المنتجع نفسه». ويوضح بينون أن كِبر سن والد عالم الآثار لا يسمح له بتسلق حافة الشباك في شقته، ما يعزّز الجزم بأن كراولي رماه. أما بالنسبة إلى تسمم دماء العالمين الآخرين، فهو أمر محسوم بالنسبة إلى الكاتب.
ويشرح بينون أن كراولي ترعرع في كنف عائلة ثرية من أتباع مبدأ «افعل ما تشاء»، وكان ثنائي الجنس، مدمناً على الهيرويين، وقد اشتهر بحبه للمجون والدعارة، وحصل على لقب «أكثر الرجال شراً في العالم» في الصحافة البريطانية. ويرسم بينون لكراولي صورة رجل خطير مزدوج الشخصية قتل خدمه عندما كان في الهند، لم يكن يذكر وفاتهم في يومياته، بل كان يكتب أن مزاجه تحسن، وكان مهووساً «بجاك السفاح»، فكتب نثراً وشعراً حوله، متخذاً من سيرته مثالاً يحتذى به، ومعتقداً بأن جرائمه توفر له قوى تفوق الطبيعة، من بينها القدرة على الاختفاء.
ويقول بينون إنّ الحياة اليومية وفرت الجو الملائم لهذه القصة، فهي ثرية في الواجهة، ومركز للأفكار السوداء في الخلف. الكل مهووس بلعنة الفرعون، ولم يدرك أحدهم أن هؤلاء ضحايا مجرم.