«الجرائم الجنائية زادت بنسبة 50 في المئة...». وزير الداخلية مروان شربل يتكلم. الخبر، هذه المرة، ليس نقلاً عن «مسؤول أمني رفيع». خبر شربل لا يحدث صدمة في لبنان. لا تنزل لأجله الجماهير الغاضبة إلى الساحات. لا يدفع الحكومة إلى الاجتماع وجعله بنداً وحيداً على جدول الأعمال. هذا خبر يمر مرور الكرام. «لا نريد إخافة الناس ولكن هذا هو الواقع. نعمل بأقصى جهدنا ولا نقول إن الأمور فلتت من أيدينا». شربل يتكلم ويتألم. ارتفاع نسبة الجرائم مقابل العجز «أمر يدفعني إلى البكاء». تخنقه العبرة، فينجح بداية في لجمها، لكنها سرعان ما تلتمع فاضحة. إذاً، وزير الداخلية، الضابط القديم، الساعي إلى إثبات جدوى «العسكرة» في وزارته، يبكي أيضاً. خلف قسوته، المفتعلة غالباً، ثمة «قلب رهيّف».
يمكن أن تتفق معه. يمكن أن تخالفه الرأي. يمكن ألا يعجبك «كاراكتيره» غير المألوف نوعاً ما. يمكن أن يطلق تصريحات غير مدروسة توقعه في «ورطة». لكن، في المقابل، لا يمكن إلا الإقرار بما لديه من عفوية. إذاً، الوضع الأمني في بلاد الأرز ليس في أحسن أحواله، بل ربما وصل إلى مرحلة خطرة جداً، والكلام لوزير تتبع له مختلف الأجهزة الأمنية باستثناء مؤسسة الجيش. لكن لماذا البكاء؟ أو لماذا إبداء الحرقة بدل التحرك لفعل شيء؟ «هذا ليس بكاءً. لديّ غصّة فقط. أنا ابن القوى الأمنية وأعرف ما هي المعاناة. أشعر بالغصّة كلما سألني أحد عن الوضع الأمني. أعرف قلق الناس، وأنا مثلهم قلق، فبماذا تريدني أن أجيب؟». ما الذي ينقصنا؟ يجيب: «ينقصنا كل شيء. عديد وعتاد. وقبل ذلك سياسة صالحة. اليوم إذا أردت أن تحصل على داتا الاتصالات لمصلحة الأمن، تجد البعض يحاسبك في السياسة. كمية الجرائم باتت مرتفعة، ولذلك يجب على الجميع إعطاء الثقة للأجهزة الأمنية، وإلا... مش رح يمشي الحال».
هكذا، هي «الثقة» التي يكرر لفظها شربل عشرات المرات، في كل جلسة يجري فيها تناول الوضع الأمني. لا يعترض على أن بعض الأجهزة الأمنية، وبعض ضباطها، صبغتهم المرحلة السابقة بألوان حزبية معينة، وأحياناً طائفية، ما أدّى إلى «فقدان الثقة... ولهذا لا ألوم من لا يثق، ولكن لا بد من فتح صفحة جديدة. فأنا اليوم على رأس الوزارة، ولا يمكن أحداً من الضباط أن يلعب معي خارج القانون، ولهذا إما أن يثق بي أفرقاء السياسة وإما فلا حل». يرفض شربل تقديم اقتراحات لتحسين الوضع الأمني، ما دام «لا ثقة، مئة في المئة، بين الأجهزة الأمنية والحكومة». طبعاً، الحديث عن «ثقة» بين الأفرقاء في لبنان، قديماً وحديثاً، أمر أقرب إلى السريالية السياسية، وبالتالي على المواطن، القلق، التعايش مع قلقه الأمني إلى ما شاء الله.
يكرر شربل ذكر أن نسبة ارتفاع الجرائم الجنائية، في الآونة الأخيرة، بلغت 50 في المئة. لكن ما سبب هذه الزيادة؟ هناك أسباب كثيرة. بحسب الوزير، السبب الرئيسي هو «ما يحصل في سوريا. هذا ما قلب الدنيا لدينا أمنياً. كل يوم لدينا حوادث، سرقة وغيرها، يقوم بها أشخاص من سوريا دخلوا إلى لبنان أخيراً. أنا لا أقول إن اللبنانيين كلهم أوادم، طبعاً فيهم زعران، ولكن في ظل 30 إلى 40 ألفاً من السوريين دخلوا إلى لبنان، كان لا بد لنسبة الجرائم أن ترتفع».
يرفض شربل الاتهامات التي سيقت بحقه، قبل أيام، بعد إثارته هذا الموضوع، حيث رماه البعض بالعنصرية. يقول: «أنا لا أتحدث عن شعب. هؤلاء الآتون من سوريا مساكين. يسرقون لشراء الطعام. يسرقون هواتف خلوية ونظارات وما شاكل من أشياء بسيطة. المسألة نفسها حصلت سابقاً، عندما نزحت مجموعات من الشعب العراقي إلى لبنان، فسجّل ارتفاع في عدد الجرائم الجنائية. العراقيون هؤلاء كانوا من المسيحيين بأغلبهم. ها أنا أقولها، ولهذا لا يمكن أحداً أن يتهمني بالعنصرية أو بالطائفية». يسترسل الوزير في ردّ التهمة عن نفسه، ليشير إلى السجون، التي «يعرف الجميع كيف كان اهتمامي بأحوال السجناء فيها، وهم من طوائف مختلفة، وأغلب الذين استفادوا من تسديدنا للغرامات عنهم، خلال الأسابيع الماضية، هم من المسلمين ومنهم غير لبنانيين».
ماذا عن الحدود اللبنانية ــــ السورية، وعمليات تهريب الأسلحة التي تحصل باستمرار؟ هذه من الأشياء «الواقعية» التي لا ينكرها شربل. لكنه، في المقابل، يشير إلى أن «الحدود مضبوطة نسبياً، مضبوطة بقدر ما يستطيع الجيش اللبناني ضبطها، الله يساعد هالجيش شو بدو يلحّق ليلحّق. نحن، في الوزارة، أعطينا الجيش 300 عنصر من قوى الأمن لمساندته، علماً بأننا في أمس الحاجة إليهم». لا يرى الوزير سبيلاً للاستقرار الأمني في لبنان سوى بعودة الاستقرار إلى سوريا، فهذا «قدر البلد الذي يتأثر مباشرة بما يحصل في سوريا». ويضيف: «نقوم بدوريات أمنية باستمرار، أحياناً نوفّق في توقيف المجرمين وأحياناً نفشل. حالياً أصلّي كي تحل المسألة في سوريا، لكي نعرف إلى أين نحن ذاهبون. الآن لا نعرف إلى أين ستذهب الأمور لدينا».
هل ما زلت على اقتناعك لناحية عدم وجود تنظيم «القاعدة» في لبنان؟ «شو القاعدة يعني؟ لا ما في قاعدة». يجيب شربل مباشرة. يخرج من درج مكتبه ملفّاً أعدّته الأجهزة الأمنية، وفيه أسماء التنظيمات التي لها وجود في لبنان، وهي: فتح الإسلام، الجبهة الديمقراطية، الجبهة الشعبية، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير، حزب الشعب الفلسطيني، جبهة التحرير العربية، حركة فتح، حركة المقاومة الإسلامية، الجهاد الإسلامي، منظمة الصاعقة، الحزب الشيوعي الفلسطيني، حزب التحرير الفلسطيني، عصبة الأنصار، جند الشام وأنصار الله... وغيرها. «أنا أكيد أن بعض هذه التنظيمات لم يسمع بها أحد من قبل، ولكنها موجودة، أما القاعدة فلا قاعدة لها في لبنان. نعم قد يمر مثلاً شخص اسمه أبو طربوش بلبنان، آتياً من اليمن مثلاً، ليصل إلى سوريا، وهو من القاعدة، ولكن لا يمكن أن نعتبر أن بلدنا بات مقرّاً للقاعدة».
بعد ذكر «أبو طربوش»، يتذكر، فجأة، أنه تحدث كثيراً عن الوضع الأمني «الهش» في لبنان. ينفعل وتعلو نبرته. «هناك أمور أخجل من قولها. هل أقول إننا خفّفنا من عدد الحواجز لأنه ما عاد لدينا أماكن تتّسع لمن نوقفهم؟ أليس هذا واقع يدفع إلى البكاء؟ انظر إلى جلسات مجلس النواب الأخيرة، لم أرَ واحداً فتح البيان الوزاري وحاسب الحكومة على أساسه. كلها محاسبات سياسية. ربما كان خطأً أن تُبثّ الحلقات على الهواء مباشرة، فيما نحن على عتبة استحقاق انتخابي، ولهذا سمعنا ورأينا عراضات وبطولات لا تفيد الناس في شيء».
الجلوس مع وزير الداخلية هذه الأيام يدعو إلى الإحباط. صراحته «محبطة». لكنها، ربما، تبقى أفضل من كذب هو أشبه بإجراء «ماكياج» لجثة هامدة.



كان لافتاً استخدام وزير الداخلية، مروان شربل، تسمية «فرع» المعلومات بدل «شعبة» المعلومات، وذلك في معرض حديثه عن المشكلة المتعلقة بعدم تسليم وزارة الاتصالات داتا المعلومات إلى فرع المعلومات. يُذكر أن «المعلومات» ما زالت، بحسب القانون، فرعاً، علماً بأن المراسلات والبرقيات الصادرة عن قوى الأمن الداخلي تصرّ على تسميتها «شعبة». أما عن آلية تسليم الداتا، التي تشترط موافقة اللجنة القضائية المختصة، فإن شربل يرى فيها «بدعة... ولكنها، للأسف، هي أمر منصوص عليه في القانون، ولذلك أنا مع تعديل هذا القانون لتسهيل العمل وتسريعه، ولكن قبل ذلك المطلوب هو الثقة... الثقة الثقة الثقة».