في 28 نيسان 2010، فُجع لبنان بجريمة وحشية راح ضحيتها أربعة أبرياء في بلدة كترمايا في إقليم الخروب. أول من اكتشف الجريمة كانت الابنة رنا التي دخلت منزل والدها لتجده وأفراد عائلتها مضرجين بدمائهم. لم يترك القاتل مكاناً سليماً في أجساد الضحايا، العجوزين يوسف أبو مرعي وزوجته كوثر وحفيدتيهما الطفلتين أمينة وزينة، إلا عمل فيه طعناً بالسكاكين. فظاعة الجريمة دفعت قاضي التحقيق إلى بدء قراره الظني بعبارة «اهتزّ لبنان بأسره بسبب جريمة قتلٍ مروّعة».
وثّق القرار الظني تفاصيل الجريمة الأولى وتحرياتها والأدلة التي أوصلت إلى كشف القاتل، ولا سيما أنه بعد ساعات قليلة على حصول الجريمة، تمكنت القوى الأمنية من توقيف المشتبه فيه الذي تبين أنه مصري الجنسية يدعى محمد مسلّم، والذي اعترف بارتكابه الجريمة، لكنه لم يُفصح عن دوافعه، مدلياً بأنه «لم يكن هناك سبب محدد». ووسط غضب الأهالي، تقرّر خطأً سوقه لتمثيل الجريمة. هناك انتُزع المشتبه فيه من دورية قوى الأمن حيث قُتل ونُكِّل بجثّته ثم عُلّق على عمود في ساحة البلدة بطريقة وصفها القرار بـ«الهمجية والمروّعة».
قُتل محمد وُدفن سرّه معه. هكذا اعتقد كثيرون، لكن التحرّيات كشفت تورط المتهمة بدرية أبو مرعي، ابنة شقيق العجوز القتيل، في الجريمة.
يشير بدران إلى أن مقتل المشتبه فيه مثّل عرقلة كبيرة للتحقيق؛ إذ إن غياب مرتكب الجريمة الأساسي واستحالة استجوابه عرقل استكمال كشف أسرار الجريمة. لكن رغم ذلك، تواصلت التحقيقات، فتوافرت معلومات تُفيد بأن المدعى عليها بدرية أبو مرعي تقيم في البناء الذي كان يقيم فيه مسلّم، وأن الأخيرة سبق أن ادّعت عليه بجرم اغتصاب ابنتها جميلة، علماً بأنه كان قد سبق أن طلب يد ابنتها رولا للزواج، إلا أنها رفضته. وكشفت المعلومات عن استياء المغدور أبو مرعي من سلوك ابنة شقيقه التي كانت تستقبل في منزلها شباناً بغياب زوجها الموجود في السجن لإقدامه على قتل شقيقه والاعتداء جنسياً على ابنتيه جميلة ورولا. وأشارت المعلومات إلى أن الزوج كان معروفاً بشراسة طبعه، لافتة إلى أن أبو مرعي كان يهدد ابنة شقيقه بفضحها أمام زوجها الذي يسهل التنبؤ بردّ فعله. على خلفية هذه المعلومات، استُدعيت بدرية أبو مرعي إلى التحقيق، فنفت أي علاقة لها بالجريمة، وذكرت أن مسلم طلب الزواج بابنتها رولا التي رفضت الفكرة، مشيرة إلى أنها كانت قد تقدمت بشكوى ضده بجرم اغتصاب ابنتها جميلة وفضّ بكارتها بعد تهديدها بواسطة سكين. وتحدثت عن اتفاقها مع محمد وشقيقه على عقد قران ابنتها مع الأول بعد إسقاط الشكوى، لكنها لم تفعل.
إصرار ابنة شقيق المغدور على النفي لم يستمر طويلاً؛ فبعد مواجهتها بالمعطيات والمعلومات المتوافرة حول الجريمة، أقرّت بأن أبو مرعي كان يهددها بإخبار زوجها المسجون عن سلوكها. وأشارت إلى أنه قبل حصول الجريمة بيومين أو ثلاثة، وقع تلاسن وصراخ بين المغدور ومحمد مسلم في منزل عائلة الأخير، ما دفع مسلم إلى تهديد المغدور بالقتل واقتلاع عينيه. واعترفت بأنها التقت مسلّم في اليوم التالي واستوضحته في ما دار بينه وبين عمّها قبل أن تخبره بأنه إذا أبلغ عمّها زوجها، فإن الأخير سيقتلهما معاً. وقالت إنها أضافت ما حرفيته: «شوف شو بدّك تعمل تنخلص من عمي يوسف»، فأجابها بأنه سيتصرّف. وأكّدت أنها لم تشاهده منذ ذلك الحين، لتُفاجأ في اليوم التالي بحصول الجريمة. كذلك أكّدت أنه لم يخطر في بالها أنّ محمد سيقتل عمّها، مشيرة إلى أنها كانت تعتقد أنه سيهدده بعدم الكلام في الموضوع فقط، لا أن يقتله. ونفت أن تكون قد طلبت مباشرة من محمد قتل عمّها، مشيرة إلى أن كل ما طلبته كان أن يتصرّف كي لا يُخبر المغدور زوجها الذي كان حتماً سيقتلهما. وختمت إفادتها بالإشارة إلى أن هناك عدة رجال كانوا يبيتون في منزلها أحياناً، مشددة على أن علاقتها بهؤلاء الشباب «لم تتعدّ إطار الصداقة».
إثر ذلك، استُمع إلى ابنتي المدعى عليها القاصرتين، فذكرتا أن محمد تقدم بطلب الزواج برولا فرفضته، فأقدم على اغتصاب الشقيقة جميلة. وأعادت رولا سرد وقائع الخلاف الذي حصل بين محمد وجدهما يوسف على خلفية تهديد الأخير لمسلم بإخبار والدها وأعمامها إن لم يقدم على عقد قرانه على شقيقتها جميلة. وقد ختمت إفادتها بما مضمونه أنها تعتقد أن محمد يعاني اضطرابات نفسية، مستندة في ذلك إلى أنه ترك منزل والدته بعد رفضها الارتباط به. وأشارت أيضاً إلى أنه كان يجهش بالبكاء عندما كانت تخبره بأنها لا تريده زوجاً لها.
وفي ضوء معطيات مستجدة، أعاد القاضي بدران الاستماع إلى بدرية أبو مرعي مجدداً، فأدلت باعتراف صريح بأنها طلبت من محمد مسلم أن يقتل عمّها، موضحة أنها خاطبته بما حرفيته: «شوف شو بدك تعمل حتى تتخلّص من عمي يوسف»، فردّ عليها بأنه سيتصرّف. هنا أجابته بعبارة: «اقتله».
في ضوء الاعتراف المستجد، طلب النائب العام في جبل لبنان كلود كرم الاستماع بنفسه إلى إفادتها، فجرى سوقها إلى دائرته. وهناك كررت المدعى عليها مضمون اعترافاتها وأقوالها الأولية. إلا أنها في وقت لاحق تراجعت عن اعترافاتها، مدعية تعرضها للضرب. وعن اعترافها أمام النائب العام في جبل لبنان، أجابت بأنها كانت لا تزال تحت تأثير الخوف من التهديد بتلفيق تهمة دعارة لها. وتراجعت عن كامل ادعاءاتها السابقة وأفادت بأنها طلبت من محمد التفاهم مع عمها وتطييب خاطره في موضوع الاعتداء على جميلة لا قتله.
وقد استمع قاضي التحقيق إلى زوج المدعى عليها ضاهر ي.، فأكّد أن سلوك زوجته ساء كثيراً، الأمر الذي وتّر علاقتها بالمغدور يوسف أبو مرعي، موضحاً أن أبناء قريته أبلغوه أن زوجته تسمح لشبان غرباء بالنوم في منزله مستغلة وجوده في السجن. لكنه في الوقت نفسه، نفى أن يكون المغدور قد زاره في السجن أو أخبره عن سلوك زوجته.
وقد قرر بدران اعتبار فعل المدعى عليها من قبيل الجناية المنصوص عليها في المادة 549/ 217/ 189 من قانون العقوبات التي تصل عقوبتها إلى الإعدام.



اعتراف «سفّاح» كترمايا

تناقض إفادة المشتبه فيه محمد مسلّم مع إفادات الشهود أوقعت به. كذلك إن إفادة شقيقه ا.ع. الذي أفاد بأنه شاهده قبيل توقيت الجريمة في الشارع المؤدي إلى منزل الضحايا أربكته، فأقر بأنه قتل المغدور يوسف أبو مرعي بعد انتهائهما من شرب القهوة أمام مدخل منزل الأخير، حيث دخل معه إلى غرفته وطعنه بسكين كانت في جيبه. وفي هذه الأثناء، صودف دخول زوجته، فقتلها أيضاً. وأفاد بأنه بقي مختبئاً في المنزل إلى حين حضور الطفلتين، فقتلهما طعناً بالسكين، مشيراً إلى أنه غادر إلى منزله وغسل السكين المستعملة في الجريمة. وأظهر كشف الطبيب الشرعي على جثث الضحايا أن الطفلة زينة مصابة بتسع طعنات في الظهر وست في الصدر والعنق. أما شقيقتها أمينة فمصابة بتسع طعنات في الصدر والبطن وإحدى عشرة طعنة في الجانب الأيمن من جسمها. أما المغدور يوسف أبو مرعي، فقد أظهرت معاينة الطبيب الشرعي أنه تعرّض لعشر طعنات توزّعت في منطقة الرأس وأعلى الصدر والعنق. وتبين أيضاً أن زوجته كوثر تعرّضت لعدة طعنات.