في حلقة جمعتهن في صدر الدار، انهمكت الجارات الخمس في «فرفطة» أغصان الزيزفون الغنية بالورق والزهر؛ فـ«هذا موسمه»، تقول جميلة، معلّلة سبب «الجَمعة». تنتقي السيدات الخمس الزهر والورق بعناية مفرطة، خشية أن تصيب شوكة من أغصانه أيديهن، وهذا ما دفعهن إلى استخدام القفازات في عملية «الفرفطة». إن «أهمية الزيزفون بزهره ورائحته العطرية تتفوق على روائح ورود الدار كلها وتصل إلى عشرات الأمتار أحياناً، واستعمالاته كثيرة ومختلفة، خصوصاً في الأمور العلاجية»، تقول أم عيسى، مسهبة في الحديث عن أهميته بعد «تجفيف الزهر والورق» في «الزهورات» التي تعتبر مؤونة أساسية لكل بيت جنوبي. لكن ربة البيت هذه تؤثر الزهر على الورق؛ «لأن طعم الورق أقرب إلى المر، بينما الزهر لذيذ ويعطي نكهة مميزة في الزهورات».
عادت زراعة الزيزفون لتنتشر في حدائق البيوت، في عدد من قرى منطقة النبطية، وفي السهول القريبة بعدما كانت سابقاً تقتصر على أشجار تنتشر هنا وهناك، قرب مجاري المياه وعند حدود بعض الحقول. علماً بأن «الزيزفون لا يحتاج إلى ري، فهو أشبه بالشجر البعلي، وكان يلجأ إليه المزارعون لتسييج كرومهم نظراً إلى كثافة أغصانه التي تحتوي على الأشواك، فيمنع دخول الحيوانات كالخنازير، ويصدّ الريح عن شجر الكروم، ولأنه يفرز مواد، كالآزوت، تفيد التربة والأشجار القريبة منه»، يقول إبراهيم سلامة.
تكثر فوائد زهر الزيزفون وورقه، وفي سؤال النسوة عنه يمكن الاستنتاج أن «الزيزفون المغلي يساعد في علاج الرشح والزكام والتهاب الشعب الهوائية، ويستخدم أيضاً مسكّناً لآلام المعدة والأمعاء ومخفف للتشنج ومهدئ في حالة توتر الأعصاب ومعالج لضغط الدم المرتفع والمرافق لتصلب الشرايين».
ويستفيد بعض المزارعين ومصنعي المياه العطرية من تقطير زهر الزيزفون «تماماً كتقطير إكليل الجبل والصعتر والقصعين، لاستخدام مائه في بعض العلاجات المعوية، ومنها المغص وآلام المعدة وحتى معالجة الإسهال»، يقول سلامة. ويؤكد أن عدداً من البلدان تستخدمه في صناعة عدد من الأدوية والعطور «لكنه في بلادنا يزرع للمنظر والاستفادة من زهره وورقه في صناعة الزهورات البلدية البيتية».
وحده الزيزفون لا يعطي ثماراً، إنما يبقى زهراً. وهنا تستشهد أم عيسى بـ«الدلعونا» لتؤكد هذا القول «ويلي دلعونا ويلي دلعونا، بتزهر ما بتعقد يا زيزفونا». تضحك الجارات ويتذكرن عدداً من المقاطع التي كانت فيه «الزيزفونة» أيام «الدلعونا» شاهدة على لواعج المحبين ووجع الحب والفراق.
ويقول مربو النحل إن عسل الزيزفون له نكهة طيبة جداً، ويمثّل زهره الذي يشبه زهر الزيتون إلى حد كبير غذاءً أساسياً لقفران النحل بين شهري أيار وحزيران.