تتماوج سنابل القمح الذهبية على مساحات واسعة في سهل الخيام. تلمع كشعر جميلة شقراء تحت أشعة شمس أيار. ما كان للسنابل هذا العزّ في السهل، لولا تراجع الزراعات الموسمية الأخرى التي كانت بمثابة الشريان الحيوي للسهل البالغة مساحته نحو خمسة كيلومترات مربعة. هكذا، حلّ القمح أساسياً في أراضي السهل. ما عاد له «منافسون»، يقول المزارع مارون حنا نعمة الله من القليعة، وهو من كبار مزارعي السهل، وقد لجأ إليه بعد تقاعده من «السلك العسكري». ولعل السبب في تراجع زراعات السهل، بحسب نعمة الله هو أن «أبناء أصحاب الحقول لا تدخل الزراعة ضمن اهتماماتهم، ومن يستعن من المزارعين بيد عاملة أجيرة يدفع الطاق طاقين». لهذا السبب، من الندرة «وجود شاب مزارع في أي من الحقول التي تكوّن مساحة السهل»، يضيف نعمة الله. في موسم عام 2010، باع هذا المزارع قمحاً بنحو عشرين مليون ليرة، على عكس موسم عام 2011 «ما ردينا حتى ثمنه». وبما أنه «مرة هيك ومرة هيك»، يعوّل نعمة الله على أن تكون هذه المرة مربحة؛ «لأن هذا الموسم نال قسطه من ريّ السماء، وكذلك من مياه الينابيع المنتشرة في السهل بعدما فاضت هي الأخرى بالخير». أما على صعيد عام، فيشير الرجل إلى أن الزراعة «لم تعد منتجة جراء غياب اهتمام الدولة ورعايتها للمزارعين كافة، ولا سيما مساعدتهم على توفير الأدوية والأسمدة، وصولاً إلى تصريف الإنتاج، إذ تعتبر هذه المشكلة من أعتى المشكلات التي يعانيها مزارعو الحبوب والخضار والفواكه».
ربما شفع للسهل تعلّق أهله به، ولولا ذلك لعانى من الهجرة التامة، وبالتالي تحول أرضاً بوراً. ويسترجع المزارعون في ذاكرتهم الفترة التي ألقت بتبعاتها على مساحة السهل، فترة الاحتلال الإسرائيلي المباشر، حيث أغرت قوات العدو مزارعي المنطقة التي كانت تحت الاحتلال بأجور عالية كانوا يتقاضونها مقابل العمل في حقول وبساتين فلسطين المحتلة وسهل الحولة، فهجر معظمهم سهل الخيام بحثاً عن الدولارات.
كان سهل الخيام في أيام عزّه الماضية يلبي حاجة الأهالي من أبناء قضاء مرجعيون، من الحبوب والخضار والفواكه، لكن اليوم «تغرق الأسواق بمواسم خضار وحبوب هي أرخص من تكلفة زراعتها، ما يعني أن المزارع يبيعها أقل من التكلفة لكي لا تكسد أو تتلف، كذلك لجأ بعض المزارعين أكثر من مرة، إلى الحلّ المر،ّ فتركوا مزروعاتهم على أمها، لكي لا يدفعوا تكلفة إضافية لليد العاملة من أجل قطافها»، يقول أحد المزارعين من آل الحاج. إذاً، القمح هو البديل الأنجع «إذا ما ساعدت الطبيعة في ذلك»، ولأن القمح لا يحتاج إلى عناية يومية أو حتى أسبوعية، وإلى ري من غير السماء. في كثير من حقول السهل، يتفوق العشب البري، وخصوصاً الشوك، على الزراعات الموسمية التي باتت تنحصر في بقع متواضعة متفرقة، قد لا تصل إلى 200 دونم أو 300، من أصل 50 ألف دونم، هي مساحة السهل. لذلك، «كانت مئات الدونمات من حقول القمح البديلة الموسمية عن أرض البور»، يتابع الحاج.بدأ الرجل بزراعة نحو 70 دونماً من البندورة والخيار والباذنجان والفلفل والخس في أرض مستأجرة بالضمان، مقابل خمسين ألف ليرة في السنة للدونم الواحد. لكن ما يدفعه أجرة ضمان الأرض لا يمثّل مشكلة كبيرة مقابل ما سيتكبده في تكلفة الشتول والأسمدة وشبكات الري بالتنقيط، و«ربما بلغت تكلفة الدونم الواحد من البندورة، مثلاً، نحو ألف دولار أميركي، ستدر بعض الأرباح إذا كانت الأسعار جيدة، وإذا تراجعت الأسعار فالخسارة واقعة لا محالة»، يقول. أما بالنسبة إلى الري، فالتعويل هنا على نبع «الرقيقة» أو بركة «الدردارة»، لتروي حقول سهل الخيام، بعد الاستعانة بمضخات ماء أو جرارات زراعية. في السهل يغيب العمل بقنوات الرّيّ التي أنشئت قبل نحو أربعين عاماً، وتعرضت خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي للتلف أو التدمير ولم تجد من يرممها أو يعيد بناءها.
يملك أكثر مزارعي سهل الخيام مساحات قليلة من الحقول، تتوزع بين دونم واحد أو دونمين أو ثلاثة، ويراهن غالبية هؤلاء على موسم القمح، الذي يوفّر لهم مؤونة البيت من برغل وحبّ، وما يفيض عن الحاجة يباع بأسعار «مقبولة»، فتسد بعض التكلفة، فضلاً عن الاستفادة من بيع التبن علفاً للحيوانات. يبلغ طول سهل الخيام نحو خمسة كيلومترات وعرضه كيلومتراً واحداً، يضيق أو يتسع في بعض الأماكن. وتمتد بلدة الخيام على طول مساحته الشرقية، وتحده دبين ومرجعيون من الشمال والشمال الغربي، والقليعة وبرج الملوك من الغرب، ومستعمرة المطلة «الإسرائيلية» من الجنوب، وكفركلا ودير ميماس من الجنوب الغربي.