قبل أن «تلوّح» شمس أيار الدافئة سنابل القمح في حقله، «حشّ» حسين صادق بضعة أغمار وألقى بها فوق الحطب المشتعل لإعداد الفريك، من دون أن يؤجج اشتعالها؛ «لأن السنابل إذا وضعت فوق نار قوية قد تتلف ويتحول القمح إلى رماد، أو يصبح كالفحم». يراقب حارس القمح «طبخته» بعناية فائقة. تارة، ينظر إلى النار المعدّلة «على دوز واحد»، وطوراً ينظر إلى السنبلات التي يجف ماؤها شيئاً فشيئاً. لا طاقة له على تركها، فهي «تحتاج إلى تقليب ومراقبة دقيقين، وتحتاج أيضاً إلى الخبرة».
هذه الخبرة التي نعوزها «للتأكد من أن شواء سنابل القمح قد تمّ على النحو المطلوب، كي نبعد النار عنها»، علماً بأنه يمكن أن «نترك السنابل المشوية داخل الرماد الحامي أو الدافئ لمدة إضافية، حتى تكون حبات الفريك قد تخمرت ونالت حاجتها من عملية الشيّ». بعد ذلك، «نحمل السنابل الملفوحة بالسواد، ونبسطها فوق بساط من قماش أو نايلون، ومن ثم ننفضها بالمدقّة الخشبية، حتى نتأكد من أن الحب فصل عن القش لننتقل بعدها إلى مرحلة الغربلة أو التنخيل، لنعزل الحبوب المشوية عن الشوائب والتبن بانتظار جرشها أو تكسيرها». لطالما عملت أيادي النسوة في جرش حبوب الفريك في الجاروشة الحجرية القديمة التي لم يكن أي بيت يخلو من وجودها «وهي من الأشياء الضرورية في جرش الفريك»، بحسب صادق. ويشرح كيفية طحن الفريك بالجاروشة، فيقول: «نحرك الأسطوانة العليا للجاروشة باليد الخشبية الجانبية بحركة دائرية ويكون محورها العمود المثبت على القاعدة حيث يوضع الحب المراد طحنه أو جرشه، من خلال الفتحة الدائرية في وسط الإسطوانة العليا، فيتسرب الحب بين الإسطوانتين الحجريتين ويطحن خلال عملية التحريك الدائري». «هي عملية شاقة للنسوة خصوصاً»، يقول صادق. والسبب؟ أنهن «يجلسن مدة طويلة أمام الجاروشة، وهو ما يحتاج إلى جهد جسدي». ومع ذلك، بات عدد من المزارعين الجنوبيين يسهلون على أنفسهم عناء الجرش اليدوي وباتوا يجرشون قمحهم خشناً في جاروشة «الضيعة» ضمن مواصفات وخصائص
محددة.
يصف صادق الجاروشة وطريقة عملها، فقط ليدلّ على أهميتها في إعداد فريك جنوبي نظيف، لا يعرف بغير «الفريك البلدي». ولأنه بلدي «فسعره أغلى من سعر الفريك المستورد المنتشر في الأسواق، إذ يراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين عشرة آلاف ليرة و11 ألفاً». أما السبب، «فلأن البلدي نعرف كيف أعدّ أو شوي، على عكس المستورد، فالنظافة والعناية مهمتان جداً في هذه الحال». مع ذلك، ثمة من يفضل المستورد لرخص ثمنه على البلدي «الذي له زبائن محددون، فالكمية التي أشويها في كل عام، لها زبائنها الذين لا يمكن أن يشتروها من غير مكان».