«المعاومة». غالباً ما ينتشر هذا المصطلح الزراعي بين مزارعي الأشجار المثمرة، وخصوصاً الزيتون، للتعبير عن «اعتقاد» لديهم بأن الموسم «يتغير إنتاجه من عامٍ إلى آخر». لكن النظرة العلمية الزراعية تنسف هذا الاعتقاد وتراه خاطئاً، مرجعة السبب الأساسي لهذه التقلبات إلى المشاكل التي تصيب الأشجار، والتي غالباً ما تكون ناتجة من الزراعة التقليدية المعتمدة في حراثة الأرض.
هذه النظرة العلمية كانت أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت المركز العربي لدراسة المناطق الجافة وشبه القاحلة «أكساد» إلى تعزيز تقنية الزراعة الحافظة. وإن كانت هذه التقنية قد سجلت نجاحاً في الزراعات المطرية الشتوية من قمح وشعير وبطاطا، فهي أيضاً تناسب الأشجار المثمرة من زيتون وتفاح وكرز وغيرها. هذا ما أثبتته تجارب الأعوام الخمسة الماضية، التي قام بها المركز العربي، بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي «GIZ»؛ فقد أسقطت هذه التقنية عبارة «المعاومة»، بحيث سجلت زيادة في الإنتاج بنسبة 10% وبنوعية من الدرجة الأولى. وقد جاءت التجارب شاملة، من الجنوب إلى الشمال، مروراً بالبقاعين الغربي والشمالي. وفي حديثٍ إلى «الأخبار»، يشير المهندس الزراعي والمستشار التقني في «giz» قاسم جوني إلى تقنية الزراعة الحافظة، التي بدأت عام 2007 بالتعاون مع الجامعة الأميركية كلية الزراعة _ حوش سنيد والجامعة اللبنانية ومصلحة الأبحاث العلمية والزراعية، وأنه «أمام تقلبات المناخ وارتفاع معدلات الحرارة والجفاف، لجأت الكثير من الدول إلى اعتماد هذه التقنية؛ لكونها الأكثر نجاحاً». ويوضح أن «العلاقة المتكررة والعشوائية عبر الزمن في حراثة الأرض أدت إلى هدم الكتل الترابية وتقليل مسامية التربة التي لا تحفظ عادة إلا من خلال تهويتها ورشح المياه إليها بحيث تحافظ على قوامها والعناصر الغذائية والمواد العضوية المتوافرة فيها، ما يسمح بنمو الجذور للأشجار المثمرة بنحو صحيح». وبدلاً من حراثة الأرض التقليدية في البساتين، يقول جوني إن «طريقة الزراعة الحافظة أثبتت جدارتها». وبحسب جوني «زراعة البقوليات في البساتين وتحت الأشجار بدلاً من الحراثة، بحيث تسمح هذه النباتات بزيادة حجم مسام التربة وبنشاط للكائنات الحيّة الدقيقة، ما ينتج من ذلك ارتفاع في معدلات تحلل المواد العضوية في التربة وتوفر العناصر الغذائية التي تمتصها جذور الأشجار». وتالياً «الحصول على إنتاجية ونوعية جيدة، كما حصل في الزيتون الذي زادت نسبة إنتاج الزيت فيه، فبدلاً من 20 ليتر زيت زيتون من 110 كيلو زيتون، سجل الحصول على ذات كمية الزيت ولكن من 75 كيلو زيتون».
ولعلّ اللافت، إضافة إلى زيادة الإنتاج التي حققتها الزراعة الحافظة للأشجار المثمرة، أن نوعية الإنتاج «تصبح جميعها من الدرجة الأولى (class a)». ويعزو ذلك إلى «الطبقة الرخوة التي تكوّنها البقوليات تحت الأشجار، والتي تمنع خلال فترة القطاف الحبات التي تتساقط من الأشجار على الأرض من أن تجرح، مهما كانت نوعيتها: تفاحاً أو زيتوناً أو كرزاً». وبمجرّد منع حدوث ذلك، من المؤكد أن «تعتدل الأسعار ويكون الموسم ناجحاً».
أضف إلى ذلك، سُجّل للزراعة الحافظة الخاصة بالأشجار المثمرة انتشار واسع في الكثير من المناطق اللبنانية. ففي البقاع مثلاً، يتّبع هذه التقنية المزارعون في بلدات رأس بعلبك وحوش الرافقة وحوش سنيد وغيرها. وهنا، يرجّح جوني أن تتوسّع أكثر مع توافر العلم بها في ما بين المزارعين، ومن خلال ورش العمل التي تنظمها GIZ والجامعة الأميركية ومصلحة الأبحاث الزراعية في تل عمارة والجامعة اللبنانية، حيث لفت جوني إلى أن التركيز الأساسي في نشر الزراعة الحافظة «يعتمد على الجيل الجديد الذي يتنبه لعوامل المناخ المتغير ونجاح الزراعة الحافظة في الوقت الذي لا يزال فيه بعض المزارعين يتمسكون بالسبل التقليدية التي تحدّ من الإنتاجية ونوعيتها».
ما يقوله جوني يختبره المزارعون منذ بدء تطبيقهم لهذه التقنية؛ فالمزارع علي يزبك الذي يعتمد منذ سنتين مبدأ الزراعة الحافظة للأشجار المثمرة في بستانه، أكد «زيادة الإنتاج في أشجاره بنحو ملحوظ بمعدل 10% على مدى العامين الماضيين، مع نوعية لافتة». وليس هذا فحسب، «فقد منعت هذه التقنية انجراف تربة البستان، فضلاً عن غور الحجارة في التربة، وصار حتى بعزّ أيام الشتي فينا ندخل إلى البستان ونقطف زيتون بكوانين من دون الغرق فيه كما في السابق»، يختم.