على ما يبدو، لا تشمل المعاناة في البقاع المزارعين فقط، بل أيضاً المزروعات. فالكمون هناك يعاني مشكلة مع الوعود. حاله كحال المزارعين مع الوعود التي تطلقها
الدولة وتنكث بها لاحقاً، ومنها تعويضات حرب تموز عام 2006 وتعويضات أصحاب كروم العنب والبيوت البلاستيكية نتيجة العاصفة الثلجية العام المنصرم. لكن الفارق أن الكمّون، بعد نثر بذوره في رحم الأرض، ينتظر بفارغ الصبر وعد المزارع، لا الدولة، بتوفير «السقاية» له وقوله «بسقيك يا كمّون». لكن، تمر الأيام ويبقى الكمّون «ع الوعد»، معوّلاً على ما يأتيه من أمطار الربيع.
مع ذلك، لا يعاني الكمون مع كل المزارعين؛ فمزارعو بلدة إيعات، بعدما خبروا نجاح زراعته في تربة سهلهم الفسيح، «أغرقوه» بمياه الري و«التعشيب»، ليبادلهم الكرم بإنتاجية وافرة «وجيدة جداً»، كما يقول المزارع علي هاشم لـ«الأخبار». في سهل إيعات بدأ منذ أيام موسم قطاف الكمّون في أكثر من ألف دونم. عشرات العمال السوريين انتشروا في الحقول لـ«حلش» (حصاد الشتول من التربة يدوياً) شتول الكمون الصغيرة، كما يشرح هاشم، لتُجمَع في «غمار» متقاربة (تكديسها كمجموعات)، بانتظار سهرة «الفراطة» (درسها لاستخراج تلك الحبات الصغيرة). هاشم لا ينكر أنه اكتسب خبرة زراعة الكمون من العمال السوريين الذين يعملون لديه، وهو الذي بدأ زراعتها منذ سنوات؛ «لأنها مربحة، وبتريّح الأرض»، مشيراً إلى أن زراعة الكمون على «عقير شعير أو قمح» (وهي أنواع الزراعات التي سبق أن زرعت في تلك الأرض) يعتبر «دورة زراعية تسمح بزيادة الإنتاجية والنوعية الجيدة من كلا النوعين».
أما مياه الري، التي يراها المزارعون العبء الأكبر في زراعاتهم التقليدية كالبطاطا، فلا يجد فيها هاشم أية مشكلة؛ «فالكمون لا يحتاج إلى الري إلا مرة واحدة، ويعتمد بعدها على مياه المتساقطات، إلا أن زراعته الأفضل هي في منتصف شهر شباط». ويشدد على عدم تأثر الكمون بالثلوج وانخفاض درجات الحرارة، «فالبذور تكون في التربة خلال تلك الفترة، وحتى لو كانت نبتة صغيرة، وينحصر ضررها في فترة الإزهار بداية شهر أيار وخلاله وهي أضرار طفيفة حيث لا برد ولا ثلوج».
بدوره، يشير أحمد علوش، أحد العمال السوريين الذين يقطنون في إيعات منذ أكثر من 30 عاماً، وأحد مزارعي الكمون في سهل البلدة (25 دونماً)، إلى أن الكمون هو من الزراعات الرائجة في سوريا وتركيا وإيران، وأنها نقلت إلى لبنان، لكن «ما زالت محدودة جداً، وتقتصر زراعتها على بعض القرى، علماً بأنها مربحة». أما عن زراعتها، فيقول الرجل إن «كل دونم يحتاج عند زراعته إلى 3 كيلو من الكمون لينتج ما بين 50 إلى 100 كيلو». وبحسب علوش «لا تتطلب هذه الزراعة من المزارع أية أكلاف وأعباء كبيرة، إذ يكفي لزراعتها عدان مياه، ومن ثم رشة مبيدات أعشاب لتقضي على ما يقارب 70% منها، وبعدها عمال التعشيب بالسكين، (2000 ليرة أجر كل عامل لقاء ساعة تعشيب)».
بعد عملية الحصاد، يعمد المزارع إلى عرض شتول الكمون اليابسة على «الدرّاسة» التي تفصل الحبة عن القشر، ليصار بعدها إلى «غربلتها». كذلك تعرض حبات الكمون أيضاً على «مفرك»، أشبه بذلك الذي يستعمل لاستخراج «زهرة حشيشة الكيف»، وذلك بغية إنتاج «الكمون النخب». أما عن حفظ الكمون، فيمكن وضعه في أكياس من الخيش، «ولمدة تصل إلى سنتين، وفي بعض الأعوام لا يبقى من الموسم حبة كمون؛ إذ يجري شراؤه ع البيدر».
غلة الموسم المنصرم كانت «جيدة جداً والأسعار أيضاً»، بحسب علوش، بحيث بيع الكيلو بسعر ثلاثة دولارات و20 سنتاً لمطاحن بيروت، وبعض الفنادق والمطاعم والمحالّ التجارية، بناءً على طلبات مسبقة.
المهندس الزراعي حمد جعفر لفت «الأخبار» إلى أن الكمون من النباتات العشبية الحولية المحدودة النمو حيث لا يتجاوز ارتفاعها أكثر من 50 سنتيمتراً، موضحاً أنها زراعة بعلية ناجحة وتناسبها تربة البقاع ومناخه، وهي تعتمد على مياه الأمطار في شهر شباط موعد زراعتها، وتختلف عن اليانسون الذي يحتاج إلى المياه كثيراً، حتى يعطي إنتاجية.
والجدير ذكره أن للكمون موقعاً ريادياً لدى النسوة البقاعيات في إعداد وجباتهن الغذائية على اختلافها، وخصوصاً أنه يعد من فصيلة التوابل «الفاتحة للشهية»، فضلاً عن شيوع استعماله لعلاج مغص الأطفال وآلام الروماتيزم وأوجاع المعدة ومعالجة الحصى في الكلى ولإيقاف رعاف الأنف.