نُقلت رضيعة في الشهر الثالث إلى مستشفى السان تيريز في الحدث. وصلت الطفلة جثة بلا روح. كانت مدمّاة. الكدمات تملأ جسدها الصغير الناعم. أضلعها محطمة وكسورٌ في الرأس. لم تكن الطفلة في ساحة حرب. كانت في منزل والديها. ورغم ذلك، يقول الطاقم الطبي: توفيت الرضيعة نتيجة الضرب. مشهد الطفلة كان مفجعاً لكل من رآها. وحتى الذي لم يشاهد الجثة الصغيرة، وجد صعوبة في إعادة رسم صورة لها في مخيلته.
معاينة جثة الطفلة غنى محمود هوانة أظهرت وجود 20 كسراً في أنحاء مختلفة من جسدهاة. كما بيّنت آثار خنق حول رقبتها وكسور في رأسها. كما وُجدت آثار لكدمات حديثة وأخرى قديمة. وعلمت «الأخبار» أن الطبيب الشرعي نعمة الملّاح كشف على جثة الرضيعة. وحُدّدت ساعة الوفاة عند العاشرة صباحاً، علماً أن الجثة وصلت إلى المستشفى عند الثانية عشرة ظهراً.
بدأت التحقيقات بحثاً عن القاتل. فظُنّ بالوالدين. وُجّهت أصابع الاتهام إليهما، فاستُدعيا للاستجواب. أنكر كلّ منهما علاقته بما حصل للطفلة. استمر التحقيق حتى ساعات متأخرة من ليل أمس، من دون أن يُحقق أي تقدّم ملموس. ورغم ذلك، فإن فرضية تورطهما أو تورّط أحدهما بشكل مباشر أو غير مباشر كانت تكاد تكون شبه مؤكدة لدى القائمين بالتحقيق. هذا إذا ما استُبعدت مسألة وجود طرف ثالث. على صعيدٍ مواز، تناقل ممرضون في المستشفى واقعة تبادل والد الطفلة وعمّها الاتهامات. تجدر الإشارة إلى أن عمر والدة الطفلة 17 سنة (فلسطينية الجنسية)، أما الوالد فلبناني مجنّس عمره (26 سنة، يسكن في الناعمة، ويعمل في محل للحلويات). وهما متزوجان منذ قرابة سنتين.
بالأمس حضرت الأجهزة الأمنية، وحضر النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان كلود كرم للإشراف على التحقيقات. كذلك حضر وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور الذي استنكر الجريمة. وأكد أبو فاعور أن التحقيق جار مع والدي الطفلة المتوفاة، مضيفاً: «الطفلة تعرضت الى تكسير في كل أنحاء جسمها». وأشار إلى أن الفحوص التي أجريت أثبتت أنه ربما لم تكن هناك عظمة في جسدها إلا وكُسِرت. أبو فاعور في اتصال مع «الأخبار»، قال: «ما حصل أكثر من جريمة قتل. هناك عملية تعذيب بشع تعرّضت له الطفلة». وأشار إلى أن التحقيق سيتوسّع ليطال الدائرة الأوسع من أفراد العائلة. وعن احتمال ألا يكون الوالدان والداها، أجاب أبو فاعور بأنه أُجريت فحوص الحمض النووي والنتيجة ستظهر خلال الساعات المقبلة، لافتاً إلى السجال الذي دار داخل أروقة المستشفى بين الوالد وشقيقه اللذين تبادلا التهم حول المسؤولية عن الوفاة.
الخبر نزل كالصاعقة، علماً أن لبنان شهد خلال الأشهر الأخيرة حوادث مشابهة. فمنذ عدة أشهر، نُقل الطفل ابراهيم (مواليد 2003) في حالة طارئة إلى المستشفى في صيدا. الكشف الطبي أظهر تعرضه لتعذيب وحشي. كان هناك جراح غائرة في رأسه وحروق بالغة في ساقيه. كما كانت إحداهما مهددة بالبتر. ابراهيم أنقذه الجيران، بعدما اقتحموا المنزل ونقلوه عنوة إلى المستشفى. الفاعلان كانا والديه، أو هكذا بدا الأمر قبل أن تكشف فحوصات الحمض النووي أنهما ليسا كذلك. آنذاك لو لم يتدخل الجيران، لكان ابراهيم لاقى مصير غنى. ابراهيم لم يكن الطفل الوحيد الذي يتعرض لعنف وحشي، لكنه كان الناجي الوحيد. ففي بداية الشهر الحالي، نُقلت الطفلة كاساندرا (9 سنوات) إلى مستشفى عين وزين في حالة غيبوبة. كان هناك كدمات في كل أنحاء جسدها. وقد أظهرت صور الأشعة وجود أورام في رأسها. الوالدان الحقيقيان هنا كانا الفاعلين. هكذا كشفت التحقيقات التي أثبتت تعرض كاساندرا لضرب المتكرر ووحشي على يد والديها.
مسلسل الوحشية ضد الأطفال لا ينتهي هنا. فمنذ قرابة شهرين توفيت الطفلة نور الشيخ علي نتيجة التعذيب في بنت جبيل.