قبل بضع سنوات، كانت زراعة الحور تقتصر على «الزينة». بيوت تزنر أسوارها بتلك الأشجار طمعاً بمنظرٍ جميل... وبالفيء. كان الحلم يتوقف عند هذا الحد. أما اليوم، فقد باتت زراعة الحور كغيرها من الزراعات التي تدرّ ربحاً. لهذه الأسباب، ولأن لبنان يفتقر إلى أحراج اقتصاديّة تعوّضه النقص الحاصل لحاجته من الأخشاب، نشطت تجارة زراعة الحور. وقد تكون جولة واحدة على مختلف المناطق في البقاع كافية لرؤية ازدياد مساحات الأراضي المزروعة بهذه الأشجار.
عام بعد آخر، تتطور هذه الزراعة لتسدّ الحاجة لزراعات بديلة، لا يبدو أن الدولة تسعى إلى توفيرها. في هذا الإطار، يتحدث المزارع غسان يونس عن تجربته الأولى في هذه الزراعة التي بدأها قبل 3 سنوات. حينها، كان الحلم «ع القد»: استغلال الدونمات الثمانية التي يملكها بالقرب من ضفاف نهر شمسين بزراعة مفيدة. وبما أن «المياه وافرة، فكرت بزراعة أشجار الحور التي يحتاج نموّها إلى كميات كبيرة من المياه». لهذا السبب، غرس يونس نحو 10 آلاف من نصوب الحور على كامل مساحة الأرض. ينتقل يونس للحديث عن الزراعة «التي لا تكلف أبداً، لأنه يمكن الحصول على نصوبها من دون أن يترتب على المزارع دفع أية أكلاف ماديّة». كيف؟ يقول: «يجري ذلك من خلال تقليم الفروع الجانبيّة التي تفرّخ من جذوع الأشجار التي لا يتعدى عمرها أكثر من عام، وتجزئتها، على أن لا يقل طول الواحدة منها عن 50 سنتمتراً». وهنا «يفضّل اختيار الفروع من الأقلام الرفيعة المستقيمة الساق والخالية من أية شوائب، وغرسها في التربة خلال أشهر الشتاء على شكل أثلام تفصل بينها مسافة تراوح بين 50 و60 سم». وهنا، ينصح يونس بزراعة أشجار الحور «على ضفاف الأنهر والينابيع، لأنها تنمو بسرعة أكثر من مثيلاتها في المشاتل المستحدثة، ويمكن أن تسبقها بعدة سنوات، لأن عامل تعرض الأولى للشمس والهواء يساعد على ذلك». وبالعودة إلى طريقة الري، يتبع يونس «نظام التنقيط لسقاية أشجار الحور بمعدل 3 ساعات أسبوعياً لكل دوام (عدّان)».
على عكس أنواع من الزراعات، لا تكلف تلك الزراعة الكثير من «المصاريف، إذ لا يمكن أن تتعدى التكلفة الـ150 ألف ليرة للدونم الواحد طوال الموسم، وهي تشمل مصاريف محروقات لتشغيل محطة ضخ المياه وأجور عمال للتشحيل وثمن مبيدات وأدوية لمكافحة حشرات المنّ والديدان والقضاء على الأعشاب الضارة».
بدوره، يشرح المزارع عمر حايك الأسباب التي دفعته إلى غرس نحو 70 ألف شجرة حور على مساحة 80 دونماً يملكها في سهل بلدة كفرزبد (شرقي زحلة). ويشير إلى أن هذه الزراعة «تريح التربة التي أنهكتها الزراعات التقليديّة، فضلاً عن توفير حاجة السوق المحليّة لآلاف الأطنان من أخشاب الحور التي يستورد معظمها من الخارج بأسعار مرتفعة». غير أن ما يختلف به الحايك عن يونس، هو أن طموحه يتخطى الحدود اللبنانيّة؛ «فهناك إمكانيّة لتصدير أخشاب الحور إلى الخارج، وبالأخص كندا، حيث يصار هناك إلى فرمها قطعاً صغيرة بحجم حبوب القمح، من ثم ضغطها وتوضيبها بأكياس لتستخدم وقوداً لمدافئ حديثة صممت خصيصاً لهذه الغاية». لكن مع توسع نشاطه، إلا أنه يعاني «نقص الدعم من الدولة»، مطالباً إياها «بتخصيص مروحيات وطائرات صغيرة مخصصة لرشّ المبيدات من الجوّ، بغرض مكافحة المنّ والسوس، وهي الآفة الوحيدة التي تغزو هذه الأشجار».
وقد انعكس رواج هذه الزراعة على أصحاب محال النجارة؛ إذ يؤكد رمضان رمضان، وهو صاحب محل للنجارة في بلدة بر الياس، أنه توقف عن شراء أخشاب الحور المستورد منذ 5 سنوات، بعدما توافرت حاجته منها في السوق المحليّة «بأسعار تراوح بين 140 و180 ألف ليرة لبنانية للطن الواحد، أي ما يوازي تقريباً نصف ثمن البضاعة المستوردة التي تباع حالياً بنحو 270 دولاراً أميركياً». ويعدّد بعض أوجه استخدام أخشاب الحور، من بينها «تصنيع أقفاص لتعبئة الخضار مثل الخسّ والملفوف، وشرحات صغيرة لتوضيب الفاكهة وسلالم خشبيّة وطبليات مخصصة لتحميل صناديق الخضار والفاكهة المصدرة إلى الخارج. كذلك يمكن فرم الأخشاب وتحويلها إلى قطع صغيرة تستعمل لتربية صغار الدواجن، وامتصاص الرطوبة من أماكن تربية الأبقار والمواشي».
يذكر أن الحور ينقسم أنواعاً، فمنه البلدي والفارسي والرومي، إضافة إلى الأصناف الأجنبيّة، وهي عبارة عن سلالات من الحور جرى تهجينها في أميركا وبعض الدول الأوروبية، تتميز بسرعة نموها ومقاومتها لبعض الأمراض والحشرات وجودة أخشابها.