لم تنته الحملة من أجل الموقع الاثري الفينيقي الذي دمره صاحب مشروع فينوس، في بيروت، بعدما رفع عن لائحة الجرد العام من قبل وزير الثقافة غابي ليون. الحملة التي تمت تحت غطاء الحماية على الآثار لم تخل يوماً من طابعها السياسي، لكنها تدخل اليوم باب المزايدات المستحيلة والبعيدة كل البعد عن الواقع العلمي. أطلق وزير الثقافة السابق سليم وردة حملة «إعادة تكوين المرفأ الفينيقي». وهذا استخفاف بعقول الناس، وخطاب سياسي بامتياز. إعادة تكوين ماذا؟ الموقع ليس مبنياً، بل محفور بالصخر الصلب، وحينما دمر فتت الصخر فأصبح بحصاً... والوزير وردة مدرك تماماً لذلك، فعن أي إعادة تكوين يتكلم؟ ان يعاد حفر موقع مماثل في الصخر؟ هذا تلاعب بالكلام، لان حفر موقع جديد يعني بالتحديد انه ليس اثرياً. فالآثار كالبشر، حينما تُزال لا تعود. من هنا تأتي المطالبة بالمحافظة عليها حينما تكتشف، لانها شاهد لا يمكن تغيير معالمه، فأهميتها انها من الماضي وشاهد عليه. الموقع حفر بالصخر باليد باستعمال تقنيات عمرها آلاف السنين، اليوم لم يعد في الموقع من صخر اصلاً، فصاحب العقار انخفض في حفرياته تحت مستوى سطح البحر. هذا الكلام مزايدات سياسية بعيدة كل البعد عن واقع الآثار. في الاسبوع الماضي كانت المطالبة بالمحافظة على الموقع، ولم تنجح الحملة... رغم كل ما كتب، وقيل ونشر في كافة وسائل الاعلام لم يتغير الواقع، رفع الوزير ليون الموقع عن لائحة الجرد العام وثبّت سابقة. دمر الموقع الاثري في غضون ساعات، بغض النظر عن جهة استعماله (مرفأً كان أو مقلعاً) او تاريخه (فينيقياً كان أو هلنستياً) ذلك واقع حزين، مخز، مرير... كل الصفات تدخل فيه لانه أزيل، ولان وزارة ثقافة تسمح للجرافات بتدمير مواقع اثرية. وكان يجب ان يكون ذلك درساً لكل المجتمع المدني الناشط في حقوق الآثار، والسياسيين المهتمين بالمحافظة على المواقع. حملتهم لم تنجح. هل يسألون لماذا؟ بالطبع لا، فهم يعتبرون ان قرار الوزير برفع الموقع كان قد اتخذه منذ اشهر، وحملتهم لم تنجح إلا في تأجيل القرار الحتمي. هذه فرضية فيها من التشكيك في النوايا ما يكفي، ولاصحابها الحق في الدفاع عنها، لكن، لو أعدنا النظر في الحملة ودُرست بتفاصيلها، لاستطاع الباحثون ان يبرزوا الاخطاء التي وقعت بسبب المزايدات السياسية الطنانة. لكن لكي لا يصبح تدمير الموقع الاثري مجرد حادثة تتكرر، مثلما حصل في تسعينيات القرن الماضي في بيروت، الافضل ان ينتبه المهتمون بهذا الوجه. بما انه بات اليوم في لبنان، مجتمع مدني وسياسيون ناشطون في حقوق الآثار، والافضل ان يبدأوا بوضع خطط عمل لانقاذ المواقع الاثرية، وكلما كان ذلك محايداً عن السياسة والخلافات الشخصية، توصلوا الى نتيجة افضل. اما بالنسبة إلى صاحب العقار، فلماذا لا ترفع دعوى قضائية مطالبة بتغريمه مبالغ طائلة للضرر الكبير على الشعب اللبناني لتخسيره تاريخه، وتستعمل الاموال للمحافظة على مواقع اثرية مهددة؟ فيصبح هناك تعاط جديد مع الآثار، قبل فينوس وبعده، من دون وعود مستحيلة.